
بقلم: زهير توفيقي
لا يختلف اثنان على أن الإعلام اليوم أصبح سلاحًا ذا حدين؛ فقد يكون أداة بنّاءة للتثقيف والتوعية، وقد يتحول في الوقت نفسه إلى ساحة للفوضى والإساءة إذا غابت عنه الضوابط، ومن هنا تتأكد أهمية القرارات الأخيرة للهيئة العامة لتنظيم الإعلام في المملكة العربية السعودية، والتي أصدرت قائمة محظورات واضحة وصريحة تحدد الإطار العام للمحتوى المسموح، وتضع حدودًا لما يجب اجتنابه.
لقد نصّت هذه الضوابط على منع التنمّر والاستهزاء بالآخرين، وحماية خصوصيات الأسر والأطفال، ورفض استغلال العمالة أو نشر المعلومات المضللة، فضلًا عن محاربة الألفاظ البذيئة وإثارة النعرات القبلية والطائفية، والتشديد على أي محتوى يمس القيم الاجتماعية والوطنية. فهذه ليست تعليمات شكلية، بل هي ضمانة لسلامة الفضاء الإعلامي من الانحدار إلى مساحات تسيء للمجتمع وتؤذي أفراده.
كما أن تحديد معايير للباس في الظهور الإعلامي خطوة تعزز احترام الذوق العام، وتمنع أي تجاوز يخدش الحياء أو يخالف الأعراف. فالإعلام ليس مجرد شاشة أو منصة، بل هو مرآة تعكس صورة المجتمع أمام أبنائه وأمام العالم، ومن الطبيعي أن يكون ملتزمًا بالمسؤولية والوقار.
لاشك أن وجود ضوابط من هذا النوع يبعث رسالة واضحة لكل من يستخدم منصات الإعلام، تقليدية كانت أم حديثة، مفادها أن الحرية مقرونة بالمسؤولية، وأن التعبير عن الرأي لا يعني الانفلات من الالتزام بالقيم والعادات والتقاليد. فالمجتمع لا يمكن أن يقبل الإساءة تحت شعار الحرية، كما لا يمكن أن يسمح بتمرير خطاب يحرض على الكراهية أو يمس الوحدة الوطنية. ولعل الأهم أن هذه القرارات تأتي في وقت بات فيه الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيرًا في تشكيل وعي الناس، ولاسيما الأجيال الشابة.
وإذا لم تُضبط هذه المساحات بضوابط تحميهم من الابتذال والتضليل، فإننا سنخسر أداة مهمة كان من الممكن أن تكون وسيلة للإلهام والنهضة.
شخصيًّا أرى أن هذه القرارات لا تعني تقييد الحرية، بل هي تنظيم لها، فبدون حدود واضحة تتحول الحرية إلى فوضى. والإعلام الحر المسؤول هو الذي يعرف متى يتحدث، وكيف يطرح القضايا، وما هي الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها حفاظًا على المصلحة العامة.
نحن نعيش في زمن تتقاطع فيه الثقافات وتتسارع فيه المعلومة، وما لم يكن هناك إطار منظم، فإن الباب سيُفتح أمام كل ما هو مسيء وضار. ومن هنا فإن مبادرة الهيئة العامة لتنظيم الإعلام تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز بيئة إعلامية راقية، ترتقي بالوعي وتحافظ على القيم، وتمنح الحرية معناها الحقيقي المرتبط بالمسؤولية.
الخلاصة.. أتمنى أن تقوم الجهات المختصة في الدولة بالعمل على إصدار ضوابط محددة في هذا الشأن لأن هذا الأمر ينطبق على الجميع بهدف حماية المواطنين والمقيمين من هذه الممارسات الخاطئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. فالمبادرة السعودية أجدها واضحة وشاملة المعالم، وأنا على ثقة بأنها ستكون بمثابة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
*كاتب المقال: كاتب وإعلامي بحريني.