السفر خيوط تضيء نسيج الروح

adminhatemمنذ ساعتينآخر تحديث :
بقلم: ولاء عزو
بقلم: ولاء عزو

قالوا قديمًا: للسفر سبع فوائد؛ طلب العلم، تحصيل الرزق، الترويح عن النفس، صحبة الأخيار، تهذيب الأخلاق، مشاهدة العجائب، وتقوية الجسد.
لكن التجربة تحمل أسرارًا أبعد من ذلك.

أول دروسه هو الاستغناء؛ نخلع عادات وأشياء ألفناها، ونغادر تفاصيل التصقت بنا للحظة ثم نتركها خلفنا. كأن السفر يعلّمنا الخفة، ويطهّرنا من ثقل التعلّق.

ويليه درس الرجوع؛ فالعودة تُعيدنا بعيون مختلفة. ما كنا نراه عاديًا يتحوّل إلى دفء، وما كنا نحسبه عبئًا يصبح منبع سكينة. الغياب يضيء ما كان خفيًا.

ثم يكشف لنا أن الأمكنة لا تتشابه؛ فلكل مكان بصمته الجينية الخاصة، سر داخلي لا يشبه غيره. قد ننجذب لمكان بلا سبب ظاهر، كأن القلب يعرفه قبل العين.

ويتسلل إلينا الحنين؛ يوقظه أحيانًا عطر، لحن، أو ظل حجر يهب سكينة غير متوقعة. لحظات صغيرة تعيد إلينا إحساسًا قديمًا، لا ليُكرر ذاته، بل ليُصاغ من جديد في ثوب يناسب حاضرنا.

وهنا يتجلّى ما في الداخل: مشاعرنا الحقيقية تجاه حياتنا المعتادة. البُعد يجلّي الرؤية كما تصقل النار الجواهر، فنكتشف أن ما ظننّاه روتينًا مملًا، كان يحمل طمأنينة غالية.

وحين نعود إلى أماكن عرفناها من قبل، لا نبحث عن مقارنة بين الأمس واليوم فقط، بل نعيد تشكيل الإحساس القديم ونمزجه بما نحن عليه الآن، فنصنع لحظة جديدة أكثر نضجًا وامتلاءً.

في النهاية، السفر ليس تحركًا على خريطة فقط، بل ارتحال في الداخل: في الروح والعقل والذاكرة. أثره يُنقش فينا كبصمة لا تُمحى، تذكّرنا أن لكل مكان فرادته، ولكل إنسان بصمته، ولكل تجربة معنى لا يتكرر.

فلنجعل من كل سفر فرصة لاكتشاف أنفسنا من جديد، ونترك لأنفسنا فسحة للتأمل فيما تغيّر فينا وما أضاء لنا من معانٍ خفية، ولنفتح المجال لبصمات أسفار الآخرين أن تنير لنا زوايا لم نكن لندركها وحدنا.

الاخبار العاجلة