بريق في قلب الوحش

25 سبتمبر 2025آخر تحديث :
ولاء عزو
ولاء عزو

بقلم: ولاء عزو

دأبنا أن نحكم على هذا الوحش من مظهره الخارجي، غافلين عن أن في قلبه سرًّا من أسرار الحياة.

الألم واحد من خَلق الله، له محاسنه كما له قسوته. قد نظنّه عبئًا ثقيلًا، لكنه في جوهره يحمل رسائل هامسة، أليس هو الذى ينبهنا إلى وجود العِلّة؟ لولا الوجع لما أدركنا المرض، ولا وعينا بالخطر المحدق بنا.

إنه ليس مجرد شعور، بل إنذار مبكر ورحمة متجلّية. فلو لم نشعر بحرارة النار حين تلامسنا، لامتد لهيبها إلى كامل الجسد دون وعي أو دفاع. هكذا يصبح العذاب منجّيًا قبل أن يكون مُرهقًا. وحتى تلك القبضة التي تعتصر قلب الأم حين يصيب أبناءها سوء، هي وجه آخر له، لكنه وجه مغموس بالحب والخوف، يذكّرنا أن الشقاء أحيانًا ليس إلا انعكاسًا لقوة ارتباطنا بما نحب.

وما نشعر به من ضيق تجاه شخص أو عمل ما، ما هو إلا صورة أخرى من المشقة، لكنه هذه المرة موجّه لبوصلة أفعالنا، ليكشف لنا أن الطريق الذي نسلكه لا ينسجم مع أرواحنا. إنّه جرس إنذار داخلي يحثّنا على التوقف، على مراجعة خياراتنا قبل أن نضيع في متاهات لا عودة منها.

وربما ما يظهر لنا من العناء أنه مكفّر للذنوب، ومهذّب للنفس، وموقظ للإحساس بالآخرين، غير أننا كثيرًا ما نغفل أن نرى وجهه البراق، ذاك الذي يضيء لنا دروب الوعي ويقودنا نحو معنى أعمق للحياة. وكيف لا، وقد قال الله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، ليذكّرنا أن المشقة قدرٌ لصيق بالوجود، وأن المعاناة ليست استثناءً بل جزء من نسيج الحياة نفسها.

إنّ هذا الألم يدفعنا دفعًا للنجاة، ويجعلنا نبحث عن مخارج تقودنا إلى السعادة. وربما لم يكن هذا الغول يومًا عدوًّا لنا بقدر ما كان معلمًا خفيًا، يوقظ وعينا، ويعرّفنا أن في قلب القسوة يكمن سرّ البريق.

فهل نحن حقًا من نختار أن نراه خصمًا، أم أن الحكمة أن نراه مرشدًا؟

الاخبار العاجلة