
كثيرًا ما نسمع عبارات مثل: لن يتغيّر إنسان يحبّنا، ولن يتغيّر من يكرهنا. تبدو هذه الكلمات حاسمة، لكنها في حقيقتها بعيدة عن الواقع. فالقلب ــ كما أخبرنا النبي ﷺ ــ بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء. وهذا يعلّمنا أن المشاعر الإنسانية ليست جامدة، بل متحرّكة ومتقلّبة؛ قد يلين قلب قاسٍ بلمسة رحمة، وقد يشتد قلب آخر إذا غلب عليه الغِل.
بل إننا في بعض الأحيان نُطلق أحكامًا على إنسان بأنه لن يتغير، فنَسلبه بذلك الحقّ دون أن نشعر. ولو نظرنا بعين الحكمة، لرأيناه يتغيّر بالفعل، لأننا هذه المرة آمنا بإمكانية تغيّره. إن إيماننا بقدرة الآخرين على التحوّل ليس مجرّد شعور، بل هو قوة خفية تبعث فيهم الأمل وتفتح لهم بابًا جديدًا للحياة.
إدراك طبيعة التغيّر يجعلنا أكثر رحابة ومرونة، ويعلّمنا ألا نُسجن الآخرين في صور قديمة. علينا أن ندرب أنفسنا على تقبّل هذا التغيّر، سواء في قلوبنا نحن، أو في قلوب من حولنا. فالتغيّر ليس دائمًا خسارة أو تهديدًا للاستقرار؛ بل قد يكون بداية لصفاء أوسع، وبذرة لحياة أجمل. إنه أشبه بنهرٍ لا يتوقف عن الجريان، ما إن تظنه قد استقر، حتى يفاجئك بمجرى جديد.
ولعلّ من أعظم معجزات الخالق في الإنسان أنه خُلق من طين ليّن الألوان، قابل للتشكّل والتبدّل، وسهل امتصاص الصدمات، كي يواصل رحلته في مواجهة التحولات، فلا ينكسر سريعًا، بل ينهض من جديد. وهنا تتجلّى الفلسفة العميقة في التربية والوجود معًا: تقبّلنا للتغيّر لا يربكنا، بل يمنحنا قوة أن نملك دائمًا خطة بديلة للحياة. ومن يملك بدائل، يملك طمأنينة، لأن التغيّر بالنسبة له ليس نهاية، بل بداية جديدة، وبابًا سرّيًا يفتح على معانٍ لم يكن ليراها لولا تبدّل الطريق.