
الفرق بين أن ننصح الآخرين وأن نعيش الموقف بأنفسنا ليس مجرد اختلاف في زاوية الرؤية، بل هو اختلاف في الوجود ذاته.
فالذي يعيش التجربة يكون غارقًا في تيارها، تحكمه الأغلال التي لا تُرى، فيضيق وعيه على لحظة الألم ولا يتسع لإدراك المعنى. إنه أسير الداخل، تحركه الغريزة الأولى: النجاة.
أما الناصح من بعيد فهو خارج الدوامة، يقرأ المشهد من علٍ، يرى المخارج والاحتمالات، لكنه يبقى غريبًا عن لُب التجربة، محرومًا من تذوق ثقل القيود على الجسد والروح.
وهكذا ينفصل العالمان: عالم الوجود في الألم، وعالم الرؤية من الخارج. الأول يعيش الحقيقة بلا وضوح، والثاني يرى الوضوح بلا حقيقة.
لكن نادرًا ما يجتمع الأمران في إنسان واحد: وعي الألم ووعي المخارج معًا. وحين يولد هذا الكائن الحكيم، يكون حضوره بمثابة معجزة الوجود؛ فلا تفرّطوا فيه، فإنه مرآة نادرة يرى بها الإنسان ذاته في أتم صورها.