يشهد جنوب لبنان تصعيدًا ملحوظاً هو الأعنف منذ وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر الماضي بين إسرائيل وحزب الله، جراء الهجمات الإسرائيلية العنيفة التي شنها الجيش الإسرائيلي على الجنوب اللبناني منذ أول أمس.
وبحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الصادر مطلع أكتوبر الجاري، أكدت المفوضية أن الغارات الإسرائيلية منذ توقيع الهدنة، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 103 من المدنيين اللبنانيين، من بينهم أطفال ونساء، فيما أصيب العشرات بجروح، وتسببت الهجمات في دمار واسع بالبنى التحتية في القرى الجنوبية.
كما أعلنت بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، أن إسرائيل ارتكبت منذ وقف إطلاق النار أكثر من 2200 اعتداء عسكري إسرائيلي شمال “الخط الأزرق”، وأكثر من 6200 انتهاك جوي، و600 هجوم صاروخي أو مدفعي، وهو ما وصفته البعثة بـ”الخرق الصريح” للقرار الدولي 1701، الصادر عن مجلس الأمن عام 2006.
تتواصل الهجمات الإسرائيلية على نحو يومي تقريبًا، حيث استهدفت غارات إسرائيلية، خلال الأيام الأخيرة، مواقع في منطقتي بنت جبيل ومارون الراس، مما أدى إلى مقتل عنصر من الدفاع المدني وجرح سبعة آخرين، بحسب ما أفادت مصادر أمنية لبنانية.
في المقابل، تبرر إسرائيل هذه الضربات الإجرامية بأنها تستهدف مواقع لحزب الله تستخدم لتخزين الأسلحة أو تنفيذ عمليات عسكرية، في حين تنفي الجهات اللبنانية وجود أي تحركات عسكرية في المناطق التي استهدفت.
من جانبه، اعتبر رئيس الجمهورية اللبنانية “جوزيف عون” أن استمرار القصف الإسرائيلي يكشف عدم فعالية وقف إطلاق النار الحالي، ويؤكد الحاجة إلى العودة إلى طاولة التفاوض، مشيرًا إلى أن لبنان مستعد للدخول في حوار مباشر مع إسرائيل يضمن حل شامل وحقيقي لوقف الحرب نهائياً، على غرار ما حدث في غزة.
على الصعيد الداخلي تطالب بعض القوى السياسية اللبنانية، بفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها، معتبرة أن التصعيد الإسرائيلي المتواصل سببه وجود سلاح حزب الله الذي يرتبط موقفه السياسي والعسكري بالمفاوضات الإقليمية واحتدام التوتر في غزة.
بينما يرى حزب الله أن التصعيد الإسرائيلي المتواصل يهدف إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني بشروط إسرائيلية، مشيراً إلى أن الضغوط الداخلية التي تمارسها بعض الأحزاب السياسية، قد تدفع بمواجهة داخلية بين المقاومة والجيش اللبناني الذي كلفته الحكومة بنزع سلاح الحزب بالقوة.
على الصعيد الإنساني يزداد الوضع سوء، حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من 80 ألف مدني لبناني باتوا نازحين داخليًا منذ بداية التصعيد الجديد، يعيش معظمهم في ظروف صعبة في مراكز إيواء مؤقتة أو لدى أقارب في مناطق أبعد عن خطوط التماس.
ووفق تصريحات صادرة عن الصليب الأحمر اللبناني؛ تواجه الطواقم الطبية والإغاثية ضغوط متزايدة في ظل شح التمويل الدولي وغياب أي ضمانات أمنية للمساعدات، مما يزيد العبء اليومي على السكان، في بلد يرزح تحت أزمة اقتصادية خانقة.
رغم وقف إطلاق النار، يعيش الجنوب اللبناني على صفيح ساخن. ومع استمرار الغارات وسقوط الضحايا المدنيين، يبدو أن الاستقرار في لبنان لا يزال رهينة قرارات سياسية إقليمية ودولية، أكثر مما هو محكوم بالإرادة المحلية. وحتى إشعار آخر، يبقى الجنوب ميداناً مفتوحاً لتصفية الرسائل بالنار.