فاطمة خليفة:
أعلن رئيس الوزراء اللبناني “نواف سلام” عن قيام الحكومة اللبنانية بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار الجنوب، مطلقاً تصريحاته من مدينة صيدا التي تقع في الجنوب اللبناني، حيث تكتسب هذه الزيارة دلالات مهمة، كونها تركز على إعادة إعمار المناطق المتضررة وتعزيز دور الدولة في الجنوب، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان.
أشار “نواف” في تصريحاته اليوم، خلال زيارته المدينة، والتي تعد زيارة رمزية وسياسية في آن واحد، أن إعادة إعمار الجنوب ربما تكون تأخرت كثيراً، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية سوف تواصل العمل الدؤوب لإعادة الإعمار وتأمين المساعدات لعودة الحياة الآمنة لأهل الجنوب، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة.
من جهة أخرى يسعى “نواف” لبسط نفوذ الدولة اللبنانية وسيادتها في الجنوب، بالتزامن مع معركة تكسير العظام التي يخوضها ضد حزب الله للحد من سيطرته على الجنوب اللبناني، واستعادة قرار الحرب مع إسرائيل في يد الدولة اللبنانية التي تسعى لفتح حوار جديد مع إسرائيل.
خضعت الأراضي الجنوبية لسنوات من الفراغ الأمني وأحيانا سيطرة غير مباشرة؛ على الصعيد الرسمي للدولة، وبالتالي يمثل مشروع الإعمار الذي يطلقه “نواف” مشروع فرض سيادة الدولة ووجود مؤسساتها على أرض الواقع ، ومن ثم استبدالها بحزب الله.
تأكيد “نواف” على عدم عزلة لبنان يفسره البعض بالدعوة اللبنانية المبكرة لمشاركة عربية ودولية واسعة في مؤتمر الإعمار المنتظر، أو ربما يكون إشارة إلى الحث على مساهمة الدول الشقيقة والمؤسسات الدولية في تمويل المشاريع التنموية والبنى التحتية، من خلال التأكيد أن لبنان ليس وحده في هذا المسار.
الحديث عن شراكات دولية ومؤسسات مانحة يعبر عن رغبة الحكومة في عدم تحميل الكلفة على الموازنة الوطنية مع وجود الأزمات الاقتصادية، ولكن في ظل تراجع الثقة بسلطات الدولة ووجود إرث من المؤسسات الهشة، تضع كثير من الجهات المانحة شروطًا اقتصادية مرتبطة بالإصلاحات الحكومية، ولكن يبقى الشرط الأساسي والحقيقي هو نزع سلاح حزب الله، مما ينذر بحدوث اشتباكات سياسية أو صدامات مسلحة بين السلطة والمقاومة.
في ظل الوضع المعقد أمنياً في الجنوب ومع وجود القوات الدولية والتهديدات الإسرائيلية المتكررة، يبقى تنفيذ المشاريع عرضة لتهديدات مباشرة أو تعطيل لوجستي. وبالتالي يرى البعض في مشروع الإعمار الحكومي فرصة لإعادة بناء دور الدولة، إذ استطاعت الحكومة دعمه بالتمويل العربي والدولي، مما قد يخفف الضغط المالي على لبنان، شرط أن ترافقه الضمانات السياسية والاقتصادية.
تظل إعادة الإعمار في سياق التركيبة السياسية اللبنانية المعقدة، خاضعة لتدخلات سياسية، ونفوذ حزبية، وضغوط طائفية، وتدخلات إقليمية، وبالتالي مؤتمر الإعمار سيكون اختبارًا كبيرًا لقدرة الحكومة في تحديد أولويات المشاريع من طرق، مياه، كهرباء، مساكن، وهل بالفعل تستطيع حكومة “نواف” تنفيذها وضمان استمراريتها، أم ستلقى مصير سابقاتها من الحكومات اللبنانية التي كانت مكبلة بقيود الطائفية الداخلية والمحاور الإقليمية.