ظهرت خلال الأيام الأخيرة تقارير مروعة حول وقوع إعدامات جماعية واعتداءات وحشية ضد المدنيين في مدينة الفاشر السودانية عاصمة شمال دارفور، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، والتي أسفرت عن هذه الإبادة المروعة ضد المدنيين العزل في الفاشر.
وكشفت بيانات رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، عن قتل ما لا يقل عن 53 مدنيًّا وجرح أكثر من 60 آخرين في الفترة بين 5 إلى 8 أكتوبر الجاري، جراء الضربات التي نفذتها قوات الدعم السريع باستخدام المدفعية والطائرات المسيرة في محيط مخيمات النازحين في الفاشر، بالإضافة إلى وجود ما لا يقل عن 7 حالات إعدام عشوائية خلال حملات تفتيش المنازل، والتي تشير إلى دوافع قبلية.
يشير استخدام الطائرات المسيرة والدبابات والمدفعية الثقيلة داخل الأحياء المدنية، واستهداف المخيمات والمستشفيات، إلى أن المواجهة لم تعد فقط بين طرفين، بل أصبحت حرباً على حياة المدنيين وتدمير البنى الأساسية.
المنظمات الحقوقية حذرت مراراً من كارثة إنسانية محتملة في الفاشر، نتيجة استمرار اعتداءات قوات الدعم السريع ومحاصرتها للمدينة، والتي وصفتها الأمم المتحدة بجرائم ضد الإنسانية، مؤكدة أنها ليست حوادث عرضية بل استراتيجية متعمدة تنفذها القوات من قتل وتعذيب وتشريد في محيط دارفور.
على الصعيد الإنساني تواجه الفاشر حصاراً غذائياً وطبيّاً، حيث تفيد البيانات بأن آلاف المدنيين محاصرون داخل المدينة أو يفرون منها، ويعانون من نقص حاد في الطعام والماء والرعاية الصحية، وهو ما عكسه تقرير بعثة الحقائق التابعة للأمم المتحدة؛ الذي وضع المسؤولية على الطرفين المتصارعين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ولكن سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب ظهور الإعدامات الوحشية بعد سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع، يؤكد على أن الأزمة الإنسانية من حصار وتعطل الإمدادات وقتل وتعذيب، هي مسؤولية الدعم السريع التي أثبتت بوضوح ضلوعها في إعدام مدينة الفاشر.
يتوقع مراقبون في ضوء هذه المعطيات، أن تقدم المحكمة الجنائية الدولية على فتح تحقيق جنائي في وقت قريب يطال قيادات قوات الدعم السريع، في ظل تزايد الضغوط الدولية والدعوات إلى فرض عقوبات أو حظر سلاح على الأطراف السودانية، خاصة في دارفور.
ولكن هذا الحل ربما لا ينقذ المدينة التي تحتاج إلى تحرك ميداني عاجل من المنظمات الإنسانية لاستكشاف طرق بديلة لدخول المساعدات إلى الفاشر والمناطق المحاصرة، كما أن التحدي الأمني يحتاج إلى تدخل إقليمي لوقف اعتداءات قوات الدعم السريع.
أما في حال تقدم قوات الدعم السريع، فقد تؤدي سيطرتها المتزايدة في دارفور إلى تقسيم فعلي للسودان أو قيام نظام حكم محلي تحت سيطرتها، مما يعني المزيد من الصراعات الأهلية والنزاعات العرقية.
في إطار غياب العدالة الحقيقية واستبدالها ببيانات إنسانية، تفضح الفاشر قدرة المجتمع الدولي، على مراقبة الوضع وتوثيقه بشكل يومي، مقابل عجزه عن إنقاذ المدنيين من حرب إبادة حقيقية وليس مجرد معركة عسكرية، فهل هناك من يستطيع أن يحقق العدالة في السودان غداً؟




