قرر القضاء اللبناني، أمس الجمعة، الإفراج عن هانيبال القذافي مقابل كفالة قيمتها 11 مليون دولار مع الإبقاء على قرار منعه من السفر، في خطوة ينتظر أن تثير جدلا واسعا في الساحة السياسية اللبنانية بالنظر إلى الغموض الذي لا يزال يلف قضية اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا منذ نحو نصف قرن وتمسك أنصاره وعائلته بالحقيقة كاملة.
وكان المحقق العدل في القضية زاهر حمادة استجوب في وقت سابق من اليوم نجل الزعيم الليبي الراحل، وفق الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية التي أكدت أن هانيبال أعيد إلى سجنه بعد انتهاء الجلسة.
ويقبع القذافي في أحد السجون اللبنانية منذ 10 سنوات دون محاكمة، فيما وجهت له تهمة “كتم معلومات” تتعلق بقضية اختفاء رجل الدين الشيعي اللبناني موسى الصدر ورفيقيه عام 1978 في ليبيا.
ويعتبر قرار الموافقة على الإفراج عن هانيبال تطورا هاما في ملف قضائي حساس للغاية في لبنان، وله أبعاد طائفية وسياسية كبيرة نظرا لأهمية الإمام موسى الصدر ورمزيته للطائفة الشيعية وقياداتها، ومن أبرزها حركة “أمل”، وسط توقعات بأن يثير ردود فعل من الجهات المتابعة للقضية والتي تطالب بكشف الحقيقة الكاملة.
ويأتي هذا القرار بعد دعوات حقوقية، أبرزها من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، للإفراج عنه، معتبرة احتجازه تعسفياً دون محاكمة لسنوات. وكانت السلطات الليبية حمّلت منذ نحو أسبوعين الحكومة اللبنانية مسؤولية تدهور صحة هانيبال القذافي.
وانتقدت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، ما أسمته “تجاهل” بيروت لعدة محاولات دبلوماسية وقضائية من جانب ليبيا، كان آخرها المذكرة الرسمية التي أُرسلت عبر القنوات الدبلوماسية منذ أبريل/نيسان الماضي والتي تضمنت عرضا لحل القضية.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الحكومة أكدت رفضها القاطع لأي تسوية لا تُراعي الشروط القانونية الأساسية، وعلى رأسها تسلُّم الملف الكامل للتحقيقات الليبية المتعلقة باختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على اختفائهم، لا تزال القضية محور خلافات حادة بين لبنان وليبيا، وتُعد من أبرز ملفات الذاكرة الوطنية اللبنانية، لا سيما لدى الطائفة الشيعية.
ويبقى قرار الإفراج عن هانيبال القذافي معلقاً على دفع مبلغ الكفالة الضخم، وستكون الفترة القادمة حاسمة لمتابعة قرار الدفاع بشأن الطعن، وكيف سيتم تأمين المبلغ المطلوب، وما إذا كانت هناك ترتيبات سياسية أو دبلوماسية في الكواليس لتسهيل إطلاق سراحه وعودته إلى ليبيا.
ولا يستبعد أن يُستغل ملف الإفراج المحتمل عن نجل الزعيم الليبي الراحل كأداة في الصراع السياسي الداخلي الليبي، مع احتمال أن تسعى الأطراف المتنافسة إلى الادعاء بنسب الفضل في هذا الإنجاز أو استثماره للضغط.
من جانبه، اعتبر النائب البرلماني أشرف ريفي إخلاء سبيل هنيبال مقابل كفالة “قرارا تعجيزيا ومخالفا لروح القانون والعدالة”، وفق الوكالة اللبنانية.
وتابع ريفي الذي شغل منصب وزير العدل بين 2014 و2016 “على القضاء أن يطلق سراحه فورا، وعلى الدولة أن تعتذر منه لأن التوقيف كان تعسفياً وغير مبرر”.
بدورها، رفضت عائلة الشيخ يعقوب، في بيان، قرار الإفراج عن نجل القذافي، قائلة إن “حملة إعلامية وضغطا سياسيا رافقا إخلاء سبيله، ما يعكس بشكل واضح التدخل في القضاء اللبناني”.
كما قالت عائلة الصدر، في بيان، إنها “تفاجأت” بالقرار، خصوصا مع “عدم حصول أي إجراءات أو مستجدات تمثل تقدما في القضية”، مؤكدة أنها “لم تتدخل سابقا في قرارات المحقق العدلي، ولن تتدخل اليوم في قراره إخلاء سبيل هانيبال”.
ولفتت إلى أنها قدمت دعوى ضد نجل القذافي على خلفية “جرم كتم المعلومات والتدخل اللاحق في جريمة خطف وإخفاء” الصدر ورفيقيه، مضيفة أنه “ما زال منذ توقيفه ممتنعا عن الإدلاء بما لديه من معلومات يملكها تفيد في الوصول إلى أماكن احتجاز الإمام وأخويه وتحريرهم”.
وتابعت عائلة الصدر أن “توقيف أو إخلاء سبيل هانيبال ليس هدفاً لنا بل هو مجرّد إجراء قانوني”. وبينت أن قضيتها الأساسية هي “قضية تغييب الإمام وأخويه، وكل معلومة في هذه القضية يمكن أن تؤدّي إلى الوصول إلى تحريرهم والحفاظ على سلامتهم وحياتهم، وكلّ مماطلة وكلّ لحظة تمرّ عليهم في الأسر تشكّل خطرا على حياتهم”.