المرأة والحرف: فضح الذات ومسار الخلاص في نص روضة بوسليمي.. مقاربة أنطولوجية

11 أكتوبر 2025آخر تحديث :
المرأة والحرف: فضح الذات ومسار الخلاص في نص روضة بوسليمي.. مقاربة أنطولوجية
د. آمال بوحرب:

في هذا النص الشعري، تتجلى الكتابة كمسار للكشف عن الذات، والحرف يتحول من أداة تعبير إلى فضاء للبوح والانعتاق من قناع الخوف والانكسار. تقدم الشاعرة من خلال شخصيات النص، خاصة المرأة، رؤية وجودية تتماهى فيها القوة والقداسة، ليصبح الحرف شاهدًا على الرحلة الروحية للذات البشرية نحو الخلاص والاكتمال.

هنا، يتقاطع الشعر مع السيمياء في دراسة العلاقة بين الإنسان والوجود، حيث تتحول المرأة إلى محور كلي، يُعيد تشكيل معنى الحياة والبوح والإبداع ولكن كيف يمكن للمرأة في النص الشعري أن تكون رمزًا للخلاص، وأن يكون الحرف أداة لفضح الذات والارتقاء بالروح؟

البنية السيميائية للنص

يحاور النص الشعر والحرف بوصفه لحظة كشف وفضح للحقيقة الكامنة بين الحزن والرجاء، بين الاغتراب والأمل. الحرف هنا “فاضح” لا يخفي ذاته ولا يختبئ وراء المجاز؛ هو انتقال من التورية إلى اعتراف صريح يحفر في الذات باحثًا عن الانعتاق من أقنعة الخوف والانكسار.

المرأة.. مركز القوة والمعنى

تتشكل شخصية المرأة ككائن أسطوري يحمل سمات الأمومة والألوهية والنبوة. هي التي تجهز “جيوش الدهشة” وتحميها بـ”دروع قلب عشتاري النبض”، وترسو بأنوثتها على طريق رجل أضناه الهوى. المرأة ليست مجرد غائب أو هامش، بل معلمة الخلاص ومصدر الافتداء الروحي، يتعلم منها الرجل كيف يصبح حصنًا متماسكًا يحتضنه معنى الوجود.

صورة الرجل والأسطورة المنكسرة

الرجل حاضر بجراحه، كسير الأجنحة التسعة، تائه يبحث عن ملاجئ الأمل في حضن امرأة شامخة وعابرة للوجع. تتجلى صورة “الرجل المقهور” كموقع للتحول والطلب، ورغبته العميقة في الانتماء والاتكاء على قوة تدعمه وتضمد انكساراته. عبر الذات الأنثوية يعيد تشكيل علاقته بالعالم، فالمرأة تصبح المدرسة والملاذ والخلاص.

الروح الدينية والدلالة الصوفية

توظف الشاعرة العلامة الدينية في إرسال “الأذان من صهوة صومعة”، وتعلي مقام المرأة إلى رهبانية روحية، لتعيد وظيفة المرأة كرمز للقداسة والاحتواء. هذا الفعل يفتح آفاق النص على معنى التطهير والحبور، ويحوّل الخطاب إلى طقس تطهيري يُعلّم الذات كيف تزدهر رغم قسوة الألم.

التاج وفصوص الكمال.. بلاغة الامتلاء الأنثوي

في لحظة التتويج، تمنح المرأة نفسها تاجًا مرصعًا بفصوص الكمال. يحمل هذا التاج معنى السيادة الروحانية والسمو الجمالي، حيث يختلط السمو بالقوة الوجودية للمرأة، فتتجاوز كل مواطن الوهن، وتزرع وردًا مبتسمًا، وتسقيه بالحروف المنبعثة من الروح.

سيمياء الرموز الأنثوية

‎تبرز الرموز في نص روضة بوسليمي بوصفها محاور دلالية تعمّق المعنى وتفتح النص على تأويلات متعددة. فـ”عشتار” رمز للخصوبة والقوة الأنثوية التي تحمي وتمنح الحياة، وتعكس حضور الأسطورة في تشكيل هوية المرأة النابعة من إرث حضاري وروحي متجذر. أما “دروع القلب” فتحيل إلى حماية الداخل الهش، وامتلاك قدرة صوفية على مواجهة الجراح. و”رفع الأذان من صومعة” رمز للسمو الروحي وجمع بين الفعل الديني والتجلي الأنثوي، ما يرسم صورة امرأة تجمع بين الأرضي والسماوي. التاج المرصّع بفصوص الكمال هو استعارة للامتلاء الذاتي، بينما “فسائل الورد” و”لونها الزهري” يرمزان لاستمرارية العطاء وتجدد الرغبة في الانبعاث، حيث تتحول الحروف إلى نبض حياة لا يعرف الذبول أو الخمود، فينتصب الحرف الفاضح شاهداً على لحظة التجلّي القصوى للمعنى والك

فعل النفي وتكرار “لا تحزن”

تكرار جملة “لا تحزن يا ولدي” يعمل كمانيفستو يطرد الحزن ويؤسس للأمل في حِمى المرأة. المرأة هنا فكرة خلاصية تضمن للذات الحيامنة في حضن الجمال والسلام، وتوحي بأن زمن الاغتراب سينتهي وسيبعث الحلم والحبيب في قلب له هيبة إلهية.

فعل البوح والانبعاث من الجرح

النص يدعو الذات لجعل بوحها “قطوفًا من شجرة خضراء”، فاكهتها ذهب وماء، متجاوزًا وهم المجاز. ويختتم بأن الحرف “صار فاضحًا”، أي أن عملية الكشف والبوح أزاحت كل مظاهر التخفي والانكسار، لتصبح الكتابة فضاء تطهير وحياة جديدة.

يعيد النص عبر سيميائه وبنيته الشعرية بناء صورة الوجود الإنساني على أعتاب علاقة المرأة بالرجل، حيث تتعايش صور العطاء والصفاء مع جراح الانكسار. المرأة تظهر كأفق للخلاص ورافعة للوجود، والحرف يصبح أداة لفضح الذات وإعادة اكتشاف الحياة، مانحًا القارئ تجربة وجودية للتجاوز والبوح والأمل المتجدد.

*********

* وحرف أمسى فاضحا …

أجهّز جيوش الدّهشة

أزوّدها بدروع قلب عشتاري النّبض

سحريّ الهوى

أمضي وأنوثتي إلى طريق رجل أعياه

الهوى من بعدي

يبحث عن ذاته في حضن امرأة شامخة …

يسأل امراة تعلّمه كيف تكون حصنا يحتوي رجلا

رجل مقهور ،مكسورة أجنحته التّسعة

امرأة راهبة

ترفع الآذان من صهوة صومعة

قالت :

يا ولدي لا تحزن،

في طريقك أكثر من امرأة

أصدقِهنّ تلتقيها آخر زمانك

فكن طودا واقفا سبقته الوسامة

إلى وجه بحجم وطن

وقمر منير

قل ألف قول في انتظار الخلاص

ما عاد في قوس الصّبر ما يُسدَّد

قالت :

– لا تحزني ؛

هذا تاجك مرصّع بفصوص كمال

تناسلت من رحم قلب رحيم

تجاهلي وَهنا راكدا في دمك ..

اغرسي فسائل ورد تبتسم ..

اِسقها بحروف تنساب من شفاه

لا تروم كمامة

وقد زيّنها لون زهريّ

تؤتي شهيقها والزّفير

وردا لا يعرف الفتور

قالت :

لا تحزن يا ولدي

مازال الأمل يصفّق بأجنحته للجمال

يصفّق للسّلام

سينتهي زمن الاغتراب يوما

وستٌبعث حبيبا في قلب له هيبة إله…

حبيبا يروّض أجوبة اليقين

قالت :

— لا تحزن يا ولدي !

لعلّ الحاجة إلى التّرحال تختفي

وقد صنعت في عزّ الوجع والغرق

ما به تطفو وتتنفّس …

اجعل من بوحك قطوفا من شجرة خضراء

فاكهتها من ذهب وماء ..

ما عدتَ تحتاج إلى وهم المجاز

وقد صار الحرف فاضحا.

الاخبار العاجلة