جيل زد في الشوارع.. الاحتجاجات الشبابية تغير المشهد السياسي في المغرب
3 أكتوبر 2025آخر تحديث :
فاطمة خليفة:
شهدت عدة مدن مغربية منذ أواخر سبتمبر 2025 موجة احتجاجات غير مسبوقة قادها شباب من جيل جديد يطلق على نفسه اسم “Gen Z 212” عبر منصات التواصل الاجتماعي.
البداية كانت عفوية فالحركة التي خرجت في بدايتها مطالبة بإصلاحات في قطاعي الصحة والتعليم، وبدت بشكل عفوي، سرعان ما تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية لافتة، لفتت السلطات إلى إعادة شكل العلاقة بين الدولة وقطاع الشباب، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام في البلد الذي يستعد لاحتضان كأس العالم 2030 بينما يواجه أزمات في خدماته الأساسية.
البداية جاءت عقب حادثة مؤلمة في أحد المستشفيات العمومية جنوب البلاد، حيث تداول ناشطون مقطعاً مصوراً يوثق وفاة سيدة بسبب تعطل الأجهزة وتأخر التدخل الطبي. الفيديو انتشر بسرعة على “تيك توك”، مما أثار موجة غضب واسعة، سرعان ما تحولت إلى دعوات للتظاهر نُشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل “التيليجرام”، وتناقلها آلاف الشبان؛ وخلال ساعات، خرجت تجمعات صغيرة في مدن عدة، سرعان ما تضاعفت الأعداد لتتحول إلى مسيرات شبابية في الرباط والدار البيضاء ومراكش وغيرهم.
رغم الطابع السلمي الذي طغى على الموجات الأولى من الاحتجاجات، حيث رفع المشاركون شعارات تدعو إلى “الصحة للجميع” و”مدرسة عادلة”، ولكن المشهد لم يلبث أن اتخذ مساراً أكثر توتراً. فقد اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين، انتهت بسقوط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى، بحسب ما أكدته مصادر محلية ودولية.
من جانبها وصفت الحكومة المغربية ما جرى من سقوط ضحايا بأنه اشتباك مع “عناصر خارجة عن القانون”، وهو ما أثار انتقادات حقوقية واسعة بشأن استخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين أغلبهم من القاصرين والشباب الذي يطلق عليهم (جيل زد).
رد الحكومة جاء على لسان رئيس الوزراء “عزيز أخنوش” الذي دعا عقب الاحتجاجات إلى حوار وطني مفتوح مع الشباب للاستماع إلى مطالبهم، مؤكداً أن المغرب بلد الإصلاحات المستمرة، لكن حديثه ترافق مع تأكيدات من وزارة الداخلية عن اعتقال المئات خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات، بينهم نسبة كبيرة من القاصرين، وهو ما أثار مخاوف منظمات حقوقية داخلية ودولية دعت إلى ضبط النفس وإيجاد بدائل قانونية تراعي حقوق الأطفال.
المطالب التي يرفعها المحتجون تعكس عمق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة. فالشباب تحدثوا عن بطالة مرتفعة، وضعف في جودة الخدمات التعليمية والصحية، وشعور متزايد بانعدام العدالة في توزيع فرص العمل. كما ركزت الشعارات على انتقاد أولويات الدولة في الإنفاق، إذ اعتبر المحتجون أن مليارات الدراهم التي تُضخ في مشاريع البنية التحتية الكبرى، خصوصاً المرتبطة بكأس العالم 2030، كان الأولى أن توجه إلى المستشفيات والمدارس. مما صنع تناقض بين الطموح الدولي والأوضاع المحلية زاد من غضب الاحتجاجات الشعبية.
إحدى السمات اللافتة لهذه الحركة هي طبيعتها الرقمية. فلم يكن وراءها أي حزب أو نقابة، بل تشكلت من مجموعات افتراضية نجحت في تحويل الغضب الرقمي إلى فعل ميداني. “تيك توك” لعب الدور الأكبر في التعبئة عبر مقاطع قصيرة وصلت لملايين المشاهدات، بينما تولت غرف “التيليجرام” عملية التنسيق بين المشاركين وتحديد أماكن التجمع.
غياب القيادة المركزية جعل السلطات عاجزة عن اختراقها أو احتوائها، وهو ما يميزها عن الاحتجاجات التقليدية، بينما على المستوى السياسي، وضعت هذه الأزمة الحكومة أمام اختبار حقيقي. فالمطالب اليوم لم تعد تكتفي بالخطابات أو الوعود العامة، ولكنها تطالب إجراءات ملموسة تعيد الثقة بين الدولة والشباب.
الوجه الخارجي للمغرب يظهره كبلد مستقر فهو شريك اقتصادي مهم للاتحاد الأوروبي وأفريقيا، بينما يجد نفسه اليوم داخلياً في مواجهة جيل جديد يرفض الصمت ويطالب بتغيير جذري في الأولويات.
بدورها بدت الأحزاب السياسية غائبة عن المشهد، ما يثير أسئلة حول قدرتها على مواكبة التحولات الاجتماعية وابتكار خطاب جديد يلامس هموم الشباب.
المواجهات العنيفة زادت من تعقيد الأزمة، خاصة مع الصور التي أظهرت أطفالاً ومراهقين يُقتادون من قبل رجال الأمن. مما دفع المنظمات الحقوقية للتشديد على أن استمرار مثل هذه الممارسات قد يؤدي إلى فقدان الثقة نهائياً بين الجيل الجديد والدولة، داعية إلى تحقيقات شفافة في حالات الوفاة والاعتقال.
رغم أن هذه الاحتجاجات تتزامن مع إنجازات خارجية للمغرب، مثل توقيع اتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي يشمل منتجات الصحراء الغربية، فإنها كشفت بوضوح عن التناقض بين النجاحات الدبلوماسية والتحديات الاجتماعية الداخلية. فنجاح المغرب في الخارج لن يكون كافياً إذا لم يصاحبه إصلاح جاد للداخل.
في المحصلة، تشكل احتجاجات “جيل زد” لحظة فارقة في التاريخ السياسي المغربي. فهي المرة الأولى التي يخرج فيها جيل نشأ بعد الربيع العربي ليعبر عن نفسه بأدوات رقمية ويحتل الشارع بلا قيادة تقليدية.
ربما تحدد هذه الحركة ملامح العقد المقبل في المغرب، وتفرض على الدولة إما التوجه نحو إصلاحات حقيقية في التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، أو مواجهة احتمالات تصاعد الغضب وانفجار الثقة بين المجتمع ومؤسساته.