حرب الجمارك بين ترامب والصين .. بورصات الخليج تدفع ثمن مشاجرة لا ناقة لها فيها ولا جمل

منذ 3 ساعاتآخر تحديث :
حرب الجمارك بين ترامب والصين .. بورصات الخليج تدفع ثمن مشاجرة لا ناقة لها فيها ولا جمل

فاطمة خليفة:

شهدت أسواق الأسهم الخليجية تراجعات ملحوظة، متأثرة بالتصعيد الحاد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث أغلقت يوم الاحد أسواق الأسهم بمنطقة الخليج بانخفاض كبير، عقب إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن فرض رسوم جمركية إضافية على البضائع الصينية، هذا التصعيد غير المسبوق أدى إلى حالة من الاضطراب في الأسواق المالية العالمية، وامتدت تداعياته إلى منطقة الخليج العربي رغم بعدها النسبي عن مركز الصراع التجاري.

في تطور سريع للحرب التجارية بين أمريكا والصين، أعلن “ترامب” مساء الجمعة عن فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على جميع البضائع الصينية، تضاف إلى التعريفات الجمركية البالغة 30% السارية حاليًا، ليصل إجمالي التعريفات الإضافية التي تفرضها واشنطن على بكين إلى 145%.
في المقابل لم تتأخر الصين في الرد، حيث أعلنت وزارة المالية الصينية عن فرض رسوم جمركية بنسبة 125% على السلع الأمريكية، في تصعيد يعكس عمق الأزمة بين أكبر اقتصادين في العالم.

 

تأتي هذه التطورات في إطار حرب تجارية متجددة بين الطرفين، حيث سبق أن شهدت العلاقات التجارية بينهما توترات متصاعدة منذ فترة ولاية “ترامب” الأولى. ومع عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، استأنفت إدارته سياسة الرسوم الجمركية العدائية، مما أدى إلى تعليق المحادثات التجارية بين الطرفين في جنيف بعد فشلها في التوصل إلى حل وسط.

تسبب إعلان “ترامب” في اهتزاز هائل للأسواق المالية العالمية. فقد شهدت أسواق العملات المشفرة وحدها خسائر فادحة خلال يومين من الإعلان حيث بلغ إجمالي التصفية في السوق إلى 18.28 مليار دولار، في إشارة إلى حجم الذعر الذي اجتاح المستثمرين. كما تأثرت أسواق الأسهم الآسيوية والأوروبية سلباً، مع تزايد المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

تلك المخاوف كان لها تأثير مباشر على اقتصادات دول الخليج المعتمدة بشكل رئيس على عائدات النفط، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط بشكل ملموس نتيجة المخاوف من تراجع الطلب العالمي على الطاقة، في ظل احتمالات الركود الاقتصادي، حيث يشكل القطاع النفطي شريان الحياة للموازنات العامة في المنطقة.

 

أغلقت أغلب البورصات الخليجية على خسائر، حيث أثر تزايد مخاوف التوترات التجارية على معنويات المستثمرين. كما ساهم انخفاض أسعار النفط في تعميق الخسائر، رغم إعلان بعض الشركات عن نتائج أعمال قوية. فتراجع مؤشر السوق السعودي (تاسي) بنسبة 0.77%، حيث شهد قطاع الطاقة السعودي خسائر كبرى بعد هبوطه 1.22%، كما تراجع قطاع البنوك 1%، وتراجعت قيم التداول بشكل هامشي إلى 4.65 مليار ريال، ووصلت خسائر الأسهم حوالي 211 سهما بصدارة سهم “نسيج”، الذي هبط 9.97%، مما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها أكبر شركة نفطية في العالم.

 

تلعب المعنويات السلبية دوراً كبيراً في تحركات الأسواق. فعند سماع أخبار عن تصعيد في الحرب التجارية أو فرض رسوم جمركية جديدة، يسارع المستثمرون إلى تقليص مراكزهم أو البيع بحثاً عن الأمان، مما يخلق ضغوط بيع إضافية ويعمق التراجعات.

بالرغم من أن دول الخليج ليست طرفاً مباشراً في الصراع التجاري بين أميركا والصين، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية والصادرات النفطية، وبالتالي أي اضطراب في حركة التجارة العالمية أو تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي يؤثر حتماً على طلب الطاقة، وبالتالي على عائدات دول الخليج النفطية.

كما أن معظم دول الخليج تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، مما يجعلها عرضة لتأثيرات السياسة النقدية الأمريكية، فعندما يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أو خفض أسعار الفائدة استجابة للظروف الاقتصادية، تضطر دول الخليج لمتابعة هذه التحركات، مما يؤثر على تكلفة الائتمان والنشاط الاقتصادي المحلي.

 

في سياق متصل حذرت صحيفة وول ستريت جورنال من موجة جديدة من الاضطراب في التجارة العالمية، متوقعة أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية إلى إغراق أسواق بقية العالم بالسلع الصينية الرخيصة، حيث ستضطر الصين لإعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مما قد يؤثر سلباً على الصناعات المحلية في تلك الدول.

مازالت احتمالات التصعيد الإضافي قائمة، خاصة مع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 200% على الصين في حال وقف بكين صادرات مواد استراتيجية مثل المغناطيس النادرة. هذا التصعيد المحتمل يبقي الأسواق في حالة ترقب وقلق مستمر.

ومن المتوقع أن تتأثر قطاعات متعددة في اقتصادات الخليج، بدءاً من القطاع المصرفي الذي قد يشهد تراجعاً في الطلب على الائتمان، مروراً بقطاع العقارات الذي يعتمد على الاستقرار الاقتصادي، وصولاً إلى قطاع التجزئة الذي قد يواجه انخفاضاً في الإنفاق الاستهلاكي.

هنا تبرز أهمية مساعي دول الخليج لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط، من خلال رؤى استراتيجية مثل رؤية السعودية 2030 ومبادرات مماثلة في دول الخليج الأخرى. هذا التنويع يمكن أن يوفر حماية نسبية ضد التقلبات في أسواق الطاقة العالمية.

 

في ظل تصاعد هذه الحرب، ربما تتجه دول الخليج إلى تعميق علاقاتها التجارية والاستثمارية مع دول آسيوية مثل الصين والهند، مما يوفر أسواقاً بديلة للطاقة ويعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي، فمن المعروف أن دول الخليج تحتفظ باحتياطيات مالية ضخمة من صناديق الثروة السيادية، والتي يمكن أن تستخدم لتخفيف تأثير الصدمات الاقتصادية الخارجية ودعم الاستقرار المالي، وتعمل الحكومات الخليجية على تحفيز القطاع الخاص من خلال إصلاحات اقتصادية وتشريعية، وتوفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

ورغم التحديات الحالية، شهدت بعض أسواق الخليج أداءً إيجابياً في فترات سابقة من عام 2025. فقد سجلت السوق السعودية أداءً جيداً خلال سبتمبر، كما شهدت الأسواق الخليجية صعوداً بفضل وقف إطلاق النار في غزة في أوائل أكتوبر. هذا يشير إلى أن الأسواق قادرة على التعافي عندما تتحسن الظروف الجيوسياسية والاقتصادية.

 

تشير بيانات السوق إلى توقعات بقيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض تكاليف الاقتراض 25 نقطة أساس في أكتوبر وديسمبر القادم، وهذا الخفض المحتمل قد يوفر بعض الدعم للأسواق الناشئة بما في ذلك أسواق الخليج، حيث سيقلل من تكلفة الائتمان ويحفز النشاط الاقتصادي.

من خلال الأرقام السابقة والتوقعات القادمة، يمكننا القول بأن أسواق الأسهم الخليجية تواجه بالفعل تحديات كبيرة نتيجة التصعيد الحاد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعود أسباب الهبوط إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها انخفاض أسعار النفط نتيجة المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وتراجع المعنويات العامة للمستثمرين، وتقلبات تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والتأثير غير المباشر للاضطرابات في التجارة الدولية على اقتصادات الخليج المعتمدة على التصدير.

ولكن وسط تلك المخاوف والتحديات، تمتلك دول الخليج أدوات وموارد يمكن أن تساعدها على مواجهة هذه الأزمة، من خلال استمرار جهود التنويع الاقتصادي، وتعزيز العلاقات التجارية مع أسواق آسيوية نامية، والاستفادة من احتياطياتها المالية الضخمة. كما أن التحسن المحتمل في العلاقات التجارية الدولية أو خفض أسعار الفائدة الأمريكية قد يوفر الدعم اللازم لتعافي الأسواق في المستقبل القريب.

يبقى الجميع في حالة ترقب للتطورات المقبلة، خاصة فيما يتعلق باحتمالات التوصل إلى تسوية في الحرب التجارية، أو احتمالات التصعيد الإضافي، مما يجعل الأسواق الخليجية عرضة لمزيد من التقلبات في الأمد القصير.

الاخبار العاجلة