تقرير: فاطمة خليفة
في مشهد ينذر بتحولات حادة على الساحة اللبنانية، تصاعدت حدة التصريحات المتبادلة بين حزب الله من جهة، والإدارة الأميركية من جهة أخرى، في ظل تلويح واشنطن بفوضى أمنية وسياسية قد تغرق لبنان في عزلة خانقة ومصير مجهول، ما لم يحسم ملف سلاح المقاومة.
في خطاب شديد اللهجة، أكد الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، أن المسؤولين في لبنان ليسوا موظفين عند أمريكا، وأن الحزب “لن يقبل بفرض الشروط الأمريكية تحت أي ذريعة”، معتبرًا أن “الولايات المتحدة الأمريكية تحاول تحقيق سياسيًا ما عجزت عنه إسرائيل عسكريًا، في إشارة إلى محاولة الضغط لتجريد الحزب من سلاحه بعد سنوات من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
شدد قاسم على أن “سلاح المقاومة هو جزء من قوة لبنان، وليس عبئًا عليه، معتبرًا أن الاستقرار المنشود لا يتحقق إلا “بكف يد إسرائيل”، لا بتفكيك عناصر الردع التي يملكها الحزب، وفق تعبيره، كما أكد في خطابه أن لبنان لا يمكن أن يخضع لإملاءات واشنطن مهما تنوعت أشكالها، ولن يعطي إسرائيل ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، في إشارة إلى تصريحات المبعوث الأمريكي إلى لبنان “توماس براك” التي اعتبرها البعض تهديد صريح من واشنطن.
في المقابل جاءت تصريحات “براك” بنبرة لا تقل حدة. فقد أطلق ما وصفه البعض بالفرصة الأخيرة أمام الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، قبل وقوع تدخل إسرائيلي آحادي، بالإضافة إلى تحذير غير مباشر يربط بين الملف الأمني والواقع الاقتصادي المتأزم في البلاد، محذرا من انتشار الفوضى.
ألمح “براك” الذي لم يخف امتعاض بلاده من بطء التقدم في ملف نزع سلاح الحزب، إلى احتمال اتخاذ واشنطن خطوات أكثر تصعيدًا، مشيرًا إلى أن لبنان لن ينعم بالدعم الدولي أو الإقليمي، وأن بلاده لن تنتظر إلى ما لا نهاية، محذرًا من أن الفرصة التاريخية لتصحيح الوضع قد لا تتكرر.
اعتبر البعض تصريحات “قاسم” نوع من التحذيرات الضمنية للحكومة اللبنانية من الانصياع للمطالب الأمريكية، من خلال تأكيده على أن أي قرار في هذا الملف يجب أن يكون لبنانيًا خالصًا، فيما طرحت واشنطن رسائلها بطريقة تكتيكية مزدوجة من خلال تلويح “براك” بالدعم المشروط للدولة، والتهديد بمقصلة اقتصادية في حال بقاء الحزب على ما هو عليه.
معركة التصريحات والخطابات بين الحزب وواشنطن، بعثت برسائل إلى الداخل اللبناني، الذي يعاني من هشاشة وانقسام سياسي عميق، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي بلغت حافة الانهيار، والذي يحتاج إلى المساعدات الأمريكية المعلقة بين شروط أمريكا وضغوط حزب الله.
في ظل هذا التصعيد قد تسعى الحكومة اللبنانية، تحت الضغط الداخلي والخارجي، إلى مزيد من التفاوض عبر تفاهم داخلي حول تنظيم سلاح المقاومة بدل المطالبة بتسليمه، لإرضاء بعض الشركاء الدوليين مؤقتًا، ولكنه في حال لم يلبي الشروط الأمريكية الكاملة يمكن تصور عدد من السيناريوهات.
تتمثل أبرز هذه السيناريوهات في التصعيد الميداني، خاصة إذا تمادت الضغوط الأمريكية، ورافقها تحرك إسرائيلي في الجنوب، قد يجد حزب الله نفسه أمام خيار الرد الميداني، ما قد يشعل جبهة الجنوب مجددًا، وهو الأمر الذي يتخوف منه لبنان خاصة أن الحزب لم يعد يملك أدوات الردع، وبالتالي فإن أي حرب واسعة قد تشكل خطرًا وجوديًا على لبنان بأكمله.
في المقابل، تراهن واشنطن على أن الانهيار الاقتصادي سيدفع الرأي العام اللبناني لمراجعة موقفه من “سلاح المقاومة”، إلا أن هذا الرهان يبقى محفوفًا بالمخاطر، وقد يرتد سلبًا إذا ما اعتبر ابتزازًا لشعب يرزح تحت الفقر.
فلا شك أن البيئة الحاضنة لحزب الله ما زالت وفية لخيار المقاومة، لكنها بدأت، كما يقول بعض المراقبين، تشعر بثقل المعادلة التي تتمثل في سلاح من دون اقتصاد، كرامة وطنية بلا كهرباء، مقاومة في ظل هجرة متصاعدة، وهي أسئلة مشروعة بدأت تطرح حتى في الدوائر القريبة من الحزب، ولو على استحياء.
على الجهة المقابلة تشير بعض القوى السياسية اللبنانية إلى أن الحل في طهران لا في بيروت، متهمة الحزب بالرهان على إطالة الوقت في انتظار طرح هذا الحل في حال التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني جديد حول ملفات المنطقة، مما ينعكس على تموضع الحزب، وإعادة المفاوضات بشروط لبنانية أفضل.
أما في حال فشل كل المسارات، قد يدخل لبنان في حالة شلل طويل، فلا قرار بشأن السلاح، ولا مساعدات دولية، ولا حكومة فاعلة، ولا استقرار مالي. وهو السيناريو الأخطر، إذ يجعل من لبنان ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.
يقف لبنان اليوم بين حدين، حد السيادة الذي يرفعه حزب الله، وحد الاستقرار الذي تشترطه واشنطن. وبينهما يئن الشعب اللبناني، قد لا تكون المعركة القادمة عسكرية، بل سياسية تتمثل في معركة خيارات، سيكون لها ما بعدها، داخليًا وإقليميًا.