
الشماتَـةُ : آفـةٌ في النفوس تبثُّ السموم ، والسمومُ مادةُ قاتلة …
والعِبـرَةٌ : حكمةٌ تُسْتمَـدُّ من التجارب والمرارات ونـزْفِ الجراح … والجرحُ إنْ
هو اندَملَ يترك في الجسم أثـراً وندوباً للتذكّر والذكرى .
غـزّة : ولا شماتة … أين كانت غـزّة ، أين صارت غـزّة ، وماذا بقيَ من غـزّة …
يوم طافتْ غـزة بالطوفان ، طفْنـا معها ، والرياح تجري بما لا تشتهي السفن… ساندنا ، ناصرنا ، وفـقَ القاعدة العربية الجاهلية المتوارثة : أنصُـرْ أخاك …”
لأنّ طريق لبنان مـرّت بغـزّة ، فلا بـدّ مـنْ أن تمـرّ طريق غـزة بلبنان ، وكمثل ما كان لبنان شريكاً مشتركاً في الحروب ، يكون شريكاً مشتركاً في الحلول.
وافقت غـزة على خطة الرئيس الأميركي بوقف النار وعلى نـزْع سلاح حركة حماس بمباركة إيرانية ، والرئيس الأميركي بارك إيران وشكرها على ترحيبها بخطّتـه .
ما ترضى بـه إيران ترضى بـه حماس ، وما ترضى بـه حماس يرضى بـه لبنان ، وليس على القتيل أن يرضى ولا يرضى القاتلُ …
كلُّ عاقل بات يدرك ، أن مواجهة اعتداءات إسرائيل بالسلاح ، لم تعـد تشكّل : لا أداة منْـعٍ ولا أداة ردْع ، بلْ أداة جذْبٍ للمسيّرات الإسرائيلية تهيمن بها احتلالاً واغتيالاً ، حتى إنني سمعت أن حزب الله أصبح مقتنعاً بأن عقيدة القتال من أجل فلسطين قد انتهتْ .
إذاً … لماذا ، ولـمَنْ تبقى عقيدة القتال ، ولماذا ضرورةُ الإحتفاظ بالسلاح في معزلٍ عن حصريَّتهِ بالدولة …؟
لأن حجم السلاح مع اختلال موازين القوى تعطلّ مفعوله بلغة التعبير السياسي ، فإن أفضل تعبّـيرٍ عنه يكون بلغة الشعر هكذا كان شأن الشاعر الكبير المتنبي : عندما شهر سيفه ، في وجـه “سيف الدولة” الملك الحمداني، وعندما واجه خصمه بأبيات قصيدته ، ” الخيل والليل والسيف والرمح ، فكانت هذه الأبيات سبباً بمصرعه .
على الأمم أنّ تتعلم من تجاربها التاريخية بهدف تأمين الحياة الكريمة لشعوبها، وليس من حـقّ قادة الدول أن يغلّبوا ثقافة الموت على ثقافة الحياة ، بفعل هَوسِ مجنون بالبطولة.
هذا أيضاً يعبّـر عنه الشاعر الكبير هوميرس في ملحمة الإلياذة وحروب طروادة : “بأنّ الأبطال لا يرغبون بالسلام بل يقاتلون حتى الموت” .
أنظروا ، إلى حروب طروادة العربية ، إلى القتال العبَثيّ حتى الموت ، إلى الملايين من القتلى والجرحى والنازحين والباكين : على ذكرى الحبيب والمنزل والدار … وتعالوا ننشد قصائد المتنبي : حول الخيل والليل والسيف والرمح .
أمام محكمة التاريخ لا بـدّ من مراجعة ذاتية للمقارنة بين فلسفة الحياة ومجازر الموت ، لعلّها مراجعة ذاتية ، تلك التي عبّـر عنها رئيس العلاقات الدولية في حركة حماس موسى مرزوق : وقد قال لجريدة نيويورك تايمز ، “إنه لم يكن يؤيّـد هجوم 6 أكتوبر على إسرائيل لو كان يعلم حجم هذا الدمار الذي نتج عنه”.
ورأيتُها مراجعة ذاتية ، تلك التي تشخَّصتْ في الإحتفال الكشفي الذي أقامه حزب الله في المدينة الرياضية أواسط هذا الشهر .
بالنشيد الوطني يُستهلّ الإحتفال ، والعلم اللبناني بألوانه يرتسم بأجساد المحتفلين على مساحة بارزة ، أعلامُ لبنان ترتفع بكثافة خفّاقـةً من دون أن تطغى عليها أعلام أخرى .
هنا يكمن صلب الموضوع : حصرية العلَم وحصرية النشيد وحصرية الهوية تشكل حصرية الولاء ، وعند حصرية الولاء لا تعود حصرية السلاح بيـدِ هذا الفريق أو ذاك تشكل مشكلة ، ولا يعود هناك خلافات مفتعلة : لا على النظام ولا على السيادة ولا على الدستور ولا على القوانين ولا على التركيبة السلطوية في الدولة .
ما دام كلنا للوطن ، ليس كلّنا دون كلّهم ، وليس كلّهم دون كلّنا .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.
