عندما يطفئ الكونغرس الأنوار: الغلق الحكومي يشل أميركا ويصدم الأسواق”

منذ 4 ساعاتآخر تحديث :
عندما يطفئ الكونغرس الأنوار: الغلق الحكومي يشل أميركا ويصدم الأسواق”

 

صوت الكونجرس الأمريكي من جديد يوم الاثنين على استمرار إغلاق الحكومة الفيدرالية، في ظل تصعيد داخل مجلس النواب بين الجمهوريين الجدد الذين يطالبون بتخفيضات حادة في برامج الإنفاق الاجتماعي، مقابل رفض الديمقراطيين المساس بتمويل الصحة والتعليم.

من خلال استعراض العوامل المسببة، والنتائج المباشرة وغير المباشرة في هذا التقرير، يقدم الخبير الاقتصادي الدكتور “أحمد يونس” قراءة شاملة لتداعيات “الغلق الحكومي” في الولايات المتحدة، مفسرًا كيف يتحوّل خلاف سياسي داخلي إلى أزمة اقتصادية تمس الحياة اليومية لملايين الأمريكيين وتؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره.

 

في البداية يوضح “يونس”: الغلق الحكومي في الولايات المتحدة هو حالة شلل جزئي أو كلي تصيب مؤسسات الدولة الفيدرالية عند فشل الكونغرس في تمرير الموازنة أو إقرار تمويل مؤقت يضمن استمرار عمل الوكالات الحكومية. وهذا التعطيل لا يتعلق بضعف مالي في الدولة أو عجز عن الدفع، بل هو في جوهره أزمة سياسية بامتياز تتحول إلى أزمة اقتصادية بمجرد توقف التمويل عن قطاعات واسعة.

 ويؤكد “يونس”: يعود سبب هذا الانسداد عادة إلى الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على بنود الإنفاق العام، حيث يسعى كل طرف إلى فرض شروطه وإدراج أولوياته في الموازنة، ما يحول الموازنة إلى ورقة ضغط سياسية داخلية. وفي مرات عديدة تتصاعد هذه الخلافات بفعل التيارات المتشددة داخل الكونغرس التي تفضل الذهاب إلى خيار التعطيل بدل التنازل عن مواقفها.

 

الأثر المباشر

عن الأثر المباشر لهذا الغلق يقول “يونس”: الخدمات الحكومية أو من يتأثر، إذ تتوقف أو تتباطأ برامج أساسية مثل إصدار التصاريح والمعاملات الرسمية والبرامج الاجتماعية المرتبطة بالغذاء والسكن والدعم الصحي، فيما يستمر عمل المؤسسات المصنفة أساسية كالأمن والدفاع، وأحياناً بموظفين يعملون من دون أجر لحين انتهاء الأزمة. الموظفون الفيدراليون أنفسهم هم أول من يتأثر إذ يدخل بعضهم في إجازات قسرية غير مدفوعة فيما يُطلب من آخرين الاستمرار بالعمل بانتظار صرف الرواتب لاحقاً، ما يسبب ضغطاً معيشياً كبيراً ويدفع إلى تراجع الاستهلاك المحلي.

ويكمل “يونس” هذا الانخفاض في الإنفاق الأسري يترافق مع تباطؤ في الإنفاق العام وتأجيل للعقود والمشاريع، ما ينعكس على النمو الاقتصادي الذي يتراجع بمعدلات قد تصل إلى عُشر نقطة مئوية عن كل أسبوع من الغلق، بحسب تقديرات المؤسسات المالية. وفي حال استمر الشلل لفترات طويلة، قد تتضاعف الخسائر لتؤثر على الناتج المحلي الإجمالي بشكل أوضح، وهو ما يثير مخاوف الأسواق من دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة تباطؤ. ومن التداعيات التي تحملها هذه الحالة أيضاً تعطل صدور البيانات الاقتصادية الرسمية مثل تقارير التوظيف والنمو والإنفاق، ما يعيق عمل الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرين الذين يعتمدون على هذه البيانات في اتخاذ قراراتهم.

 

الخسائر السياسية

يضيف “يونس”: لا يقف الأمر عند الخسائر المباشرة، إذ إن استمرار هذه الأزمات يضعف الثقة في استقرار السياسة المالية الأمريكية ويبعث برسائل سلبية إلى الأسواق العالمية حول قدرة واشنطن على إدارة شؤونها الداخلية. وفي حال تكرر المشهد، قد يتأثر التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ما يرفع كلفة الاقتراض ويزيد من أعباء الدين العام. كذلك فإن انعدام اليقين هذا يترك بصمته على الاستثمارات طويلة الأجل، حيث تؤجل الشركات الكبرى خططها بانتظار وضوح الرؤية. وعلى المستوى الاجتماعي، يعاني ملايين الأميركيين من آثار نفسية واقتصادية، خصوصاً الأسر التي تعتمد على الرواتب الفيدرالية أو على البرامج المدعومة، الأمر الذي يفتح الباب أمام زيادة الديون الشخصية وارتفاع الضغط على شبكات الأمان الاجتماعي المحلية.

 

في النهاية يخلص “يونس” إلى أن الغلق الحكومي هو انعكاس لصراع سياسي داخلي لكنه سرعان ما يتحول إلى عامل إضعاف اقتصادي داخلي وخارجي، وكلما طال أمده كلما تضاعفت تداعياته على النمو والثقة والاستقرار المالي. وتجربة الولايات المتحدة تثبت أن هذه الإغلاقات غالباً ما تنتهي بتسويات مؤقتة لا تحل جذور الأزمة، ما يجعلها أشبه بجرس إنذار يتكرر كلما تصاعدت الخلافات حول أولويات الإنفاق، في اقتصاد عالمي يراقب بدقة أي اهتزاز في قلب المنظومة المالية الدولية.

الاخبار العاجلة