فاطمة خليفة:
أطلق المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان “توماس براك” تحذيرًا جديدًا اعتبره الكثير الإنذار الأخير، مهدداً بتحرك إسرائيلي بشكل أحادي ضد لبنان، إذا لم تقم الحكومة الحالية بنزع سلاح حزب الله، الأمر الذي أحدث صدى واسعًا في الأوساط السياسية اللبنانية.
تعد رسالة براك المطولة هي أوضح وأخطر موقف أمريكي حتى الآن تجاه المساومة الأمريكية على إنهاء دور حزب الله في المشهد اللبناني أو إنهاء الاستقرار في لبنان، جاء التحذير يحمل عنوان “الفرصة الأخيرة”، مؤكداً أن الفرصة الإقليمية مواتية، لكن التردد الرسمي في بيروت يفتح الباب أمام خطوات إسرائيلية أحادية، ستكون عواقبها وخيمة على لبنان، في إشارة إلى احتمالية شن عملية عسكرية واسعة على غرار ما حصل في جنوب لبنان عام 2006.
قايض براك بشكل مباشر بين نزع سلاح حزب الله والفوضى وفرص انتعاش لبنان اقتصادياً، داعيًا الحكومة اللبنانية إلى التحرك الجاد لاستعادة احتكار الدولة للسلاح، وشدد على أن الصبر الدولي ليس بلا حدود، مضيفاً أن لبنان يقف أمام منعطف تاريخي، وأن الخطوات التالية ستحدد مصير العلاقة مع واشنطن وشركائها.
هدد براك أيضاً بالفوضى التي يمكن أن تقع بلبنان في إشارة تحذيرية من محاولة تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة في 2026، محذرًا من وجود جهات مسلحة قد تسعى لتأجيل الانتخابات أو إعادة ترتيب مواقعها السياسية والعسكرية قبل خوض الاستحقاق الانتخابي، في إشارة غير مباشرة إلى “حزب الله”.
من جانبه لم يتغير موقف “حزب الله” الصارم تجاه أي قرار يتعلق بسلاح المقاومة، خاصة في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية اليومية للأراضي اللبنانية، معتبرا أن ما يحدث يمثل ابتزازًا سياسيًا تحت غطاء دبلوماسي، مما يؤكد على ازدواجية المعايير الأميركية.
في المقابل يتبنى خصوم حزب الله في الداخل اللبناني مواقف المبعوث الأمريكي ضد حزب الله، ويصفونها بالوضوح في الموقف الأميركي، مؤكدين على أن احتكار الدولة للسلاح هو المدخل الحقيقي لأي استقرار سياسي واقتصادي.
تتلاقى تصريحات براك الأخيرة والتي تأتي في لحظة إقليمية حساسة، مع عودة الحديث عن مفاوضات بين إسرائيل والدولة اللبنانية برعاية دولية، كما جاء في تصريحات الرئيس اللبناني “جوزيف عون” حول إمكانية عودة المفاوضات.
تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الحديث عن مفاوضات جديدة بين لبنان وإسرائيل، تقف خلفها محاولات أمريكية إذ تسعى واشنطن لفرض خارطة طريق جديدة للبنان تشمل نزع سلاح المقاومة على غرار ما حدث في غزة، بالإضافة إلى دعم إجراء الانتخابات في موعدها، ودعم إصلاحات اقتصادية تحت إشراف دولي.
وهي الخطة التي قد تفتح الباب أمام مساعدات اقتصادية وسياسية لاستقرار لبنان، لكنها تصطدم بتوازنات داخلية معقدة تشترط مواجهة داخلية بين الحكومة وحزب الله، وربما تتحول إلى مواجهة عسكرية بين المقاومة والجيش مما يهدد بحرب أهلية جديدة بديلا عن الحرب الإسرائيلية.
سواء اعتبرت رسالة براك تحذيرًا مباشرًا أو دعوة أخيرة، إلا أنها تعكس بوضوح تغيّرًا في نبرة الخطاب الأميركي من الدعم المشروط إلى الضغط الواضح والتهديد الصريح ويبقى السؤال الأهم هل يستطيع لبنان الاستمرار في اكتساب الوقت وانتظار انفراجات إقليمية، أم يتجاوب مع المسار الأمريكي ويحول الصدام الخارجي إلى صدام داخلي، أم يغامر بالمواجهة الإسرائيلية؟