لبنان بين التحولات الإقليمية ومفترق الأمن والسياسية

29 أكتوبر 2025آخر تحديث :
وجدي صادق
وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

في خضمّ ما يشهده العالم العربي من إضطرابات وتحوّلات متسارعة، يظلّ لبنان مرآةً تعكس توتّر المنطقة بكلّ تفاصيلها السياسية والأمنية والإقتصادية. فالمشهد اللبناني اليوم ليس معزولاً عن صدى النزاعات الإقليمية، ولا عن إهتزازات الداخل التي تتناسل من رحم الأزمة الممتدة منذ سنوات، لتتشابك فيها الخيوط بين المحليّ والإقليميّ والدوليّ على حدّ سواء.

يعيش لبنان على إيقاع قلقٍ أمنيّ وسياسيّ متواتر، تتجاذبه القوى الداخلية بين ولاءاتٍ متقابلة وتوازناتٍ هشّة. فحدوده الجنوبية ما تزال تشهد توتّراً ميدانيّاً متقطّعاً، يعكس هشاشة الهدنة غير المعلنة، ويكشف حجم التأثير المتبادل بين ما يجري في غزة والجنوب اللبناني. وبينما تُرفع شعارات الصمود والمقاومة، يرزح المواطن اللبناني تحت وطأة الخوف من اتّساع رقعة المواجهة، في وقتٍ تزداد فيه الضغوط الإقتصادية والمعيشية خنقاً لكلّ أملٍ بالإستقرار.

سياسيّاً، لا تزال الأزمة الرئاسية عنواناً لتعطيل الدولة، في ظلّ غياب توافق وطني جامع يخرق جدار الجمود. تتناسل المبادرات بلا ثمرة، ويتقاطع الخارج والداخل في لعبة توازنات دقيقة، حيث لا غالب ولا مغلوب، بل وطنٌ معلّقٌ بين الأروقة الدولية ورهانات الداخل.

الحكومة تمارس دوراً محدود الصلاحيات، والبرلمان يعيش حالة إنقسام مزمن، فيما تتآكل مؤسسات الدولة على وقع الإنهيار الإداري والمالي.

أمنيّاً، تبقى الجهوزية قائمة في مواجهة إحتمال الإنفلات، سواء بفعل توتّرات الجنوب أو نتيجة الإحتقان الإجتماعي المتزايد.

الأجهزة الأمنية تبذل جهوداً مضنية لحفظ الحدّ الأدنى من الإستقرار، وسط بيئة متشابكة ومفتوحة على إحتمالاتٍ عدّة. أمّا الشارع اللبناني، فيبقى ساحةً لتنفيس الغضب الشعبي، ومسرحاً للهمس السياسي الذي يخشى الإنفجار الكبير. إقليميّاً، تشهد المنطقة تحوّلاتٍ كبرى تتقاطع في خطوطها عند لبنان. فتصعيد الشرق الأوسط، من الحرب في غزة إلى الملف الإيراني والإنفتاح العربي على التسويات الجديدة، يعيد رسم خريطة النفوذ والمصالح.

وفي قلب هذا المشهد، يقف لبنان كمنطقة تماسّ، يدفع ثمن الإصطفافات ويترقّب مآلات الصفقات الكبرى. غير أنّ الأمل، وإن بدا خافتًا، لا يزال ممكناً. فلبنان الذي إعتاد الوقوف على حافة الهاوية، غالباً ما يجد طريقه إلى النجاة في اللحظات الحرجة. ولعلّ ما يحتاجه اليوم ليس معجزة، بل إرادة وطنية صادقة تعيد للدولة هيبتها، وتستعيد للمؤسسات دورها، وتُخرج القرار من لعبة المحاور إلى رحاب المصلحة الوطنية. وفي نهاية المطاف.

إنّ المشهد اللبناني، على تعقيده، يختزل قصة وطن يرفض الإنكسار رغم الجراح، وشعب ما زال يؤمن بأنّ فجر السلام ممكنٌ ولو بعد ليل طويل. في زمن تترنّح فيه الموازين الإقليمية، يبقى لبنان السؤال المفتوح والجواب المؤجّل، بإنتظار أن تنضج التسويات ويعود الإستقرار إلى الأرض التي وُلدت من رحم الصراع، وما زالت تبحث عن حياةٍ تليق بتاريخها وموقعها.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة