“المتحف الكبير”.. وهيستيريا النقد!!

4 نوفمبر 2025آخر تحديث :
أميرة جاد الله
أميرة جاد الله

 

بقلم: أميرة جاد الله

منذ لحظة افتتاح المتحف المصري الكبير، ووسائل التواصل الاجتماعي تشهد حالة من “الفصام الرقمي” الواضح! مشهد مثير للاهتمام يتكرر مع كل مشروع قومي كبير:

· فريق “أعظم مشروع في التاريخ”: وكل نقد، حتى لو موضوعي، هو “حقد” أو “هجوم مدفوع الأجر”.

· وفريق “الفلوس كانت توجه لمصانع و مستشفيات”: وكل إشادة، حتى لو بحق، هي “تمويل نظام” أو “تطبيل”.

الخلاف على الشكل في مقابل المضمون.

اتجاه ينتقد الحفل:

• الحفل جاء على عكس ما كان يتوقعه الجميع، إذ أفسد الإخراج التلفزيوني فرحة هذا الحدث التاريخي.

.الاعتماد على الأضواء كان مبهراً، لكنه افتقد خصوصية استلهام روح المصري القديم بلمسة حداثية.

.الموسيقى والرقصات لم تعبر عن عمق التراث.

• التكاليف الباهظة للحفل في وقت الأزمة الاقتصادية.

اتجاه يؤيد الحفل:

• “نستحق أن نحتفل بعظمة تاريخنا بهذا المستوى العالمي”.

• “هذا إعلان سياحي لمصر يستحق كل جنيه”.

• “الاحتفال بهذه الصورة يليق بعظمة الحدث”.

السؤال: لماذا دائما نقع في مصيدة الاستقطاب؟

١. خوارزميات الغضب: فيسبوك يحبّذ المحتوى المثير. الجدال يعطي تفاعلاً، والتفاعل يعطي انتشاراً. ببساطة، “اللاذع” يظهر أكثر من “المعتدل”.

٢. غرف التطبيل والتكفير: كل منا يعيش داخل فقاعة. إذا كنت مؤيداً، ستظهر لك مقاطع فيديو العظمة و”مصر بتتغير”. وإذا كنت معارضاً، ستظهر لك المشاهد السيئة والتعليقات الساخرة. كل فريق يظن أنه يمثل “كل الشعب”.

٣. المشروع تحول لـ “رمز”: المتحف لم يعد مجرد متحف، بل أصبح اختباراً للوطنية. النقد يساوي عدم حب للوطن. الإشادة تعادل دعما غير مشروط. وضاع الجوهر في خضم المعركة: نقاش التصميم، و التنفيذ، تجربة الزائر، الجدوى الثقافية و الاقتصادية.

٤. صراع الروايات: في خضم هذا الصراع توجد مصر التي تريد تقديم نفسها كقوة عظمى بتاريخ لا يُضاهى (وهي كذلك)، وتوجد مصر اليوم التي تعاني اقتصاديا.

المتحف يجسد الأولى بشدة، مما يزعج أنصار الثانية.

الظاهرة الأعمق: اختزال القيمة في الشكل

الأخطر في هذه الجدالات أننا قد ننسى الجوهر:

· المتحف نفسه وتحفته المعمارية.

· القطع الأثرية غير المسبوقة.

· الرسالة الحضارية التي يقدمها.

أصبحنا نناقش “كيف احتفلنا” أكثر مما نناقش “ماذا احتفلنا به”!

السؤال الذي يستحق النقاش:

هل يمكن أن نفصل بين تقييم الحدث (المتحف) وتقييم طريقة تقديمه (الحفل)؟ أم أن الشكل أصبح جزءاً لا يتجزأ من المضمون في عصر الصورة؟

خلاصة:

الإعجاب بمشروع ضخم مثل المتحف لا يعني غض الطرف عن أي سلبيات. والنقد البناء لا ينفي الإنجاز. لو خرجنا من دائرة “معي أو ضدى” وعقلنا آلية عمل وسائل التواصل، يمكن أن نستمتع بالإنجاز ونساعد في تطويره في نفس الوقت.

المتحف إنجاز يحق لكل مصري أن يفخر به، وبنفس القوة من حقه أن يسأل: “كيف نجعله أفضل؟”.

 

*كاتبة المقال: باحثة متخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

الاخبار العاجلة