بوابة التاريخ من قادش إلى بورسعيد!

10 نوفمبر 2025آخر تحديث :
إبراهيم  الصياد
إبراهيم الصياد

بقلم: إبراهيم الصياد

قادني تفكيري إلى البحث عن القاسم المشترك بين أنتصار مصر في 56 على العدوان الثلاثي الغاشم وافتتاح المتحف المصري الكبير قبل أيام قليلة في عام 2025 وجدت أن ( الإنسان المصري) هو القاسم المشترك بين الحدثين ما يؤكد أن الذاكرة التاريخية للشعب المصري مازالت قوية بالقدر الذي أوجد علاقة ما بين افتتاح المتحف المصري الكبير وحرب العدوان الثلاثي انها علاقة تاريخية عميقة يمكن تفسيرها في إطار السياق الزمني المختلف بين الحدثين !
بمعنى أن المتحف المصري الكبير يمثل مشروعاً قومياً ضخماً يهدف إلى عرض إرث مصري قديم عمره آلاف السنين، ويرمز إلى طموح مصر والتأكيد على هويتها الحضارية ونتذكر هنا معركة قادش التي تعد واحدة من أشهر المعارك في التاريخ القديم وقد وقعت عام 1274 قبل الميلاد تقريبًا بين القوات المصرية بقيادة الملك رمسيس الثاني والحيثيين بقيادة الملك مواتللي الثاني، بالقرب من مدينة قادش الواقعة على ضفة نهر العاصي في سوريا جنوب بحيرة حمص يعني قبل حوالي 3 آلاف عام أما المقاومة الشعبية في بورسعيد حدثت أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام يعني منذ 69 عاما حيث قاوم أهالي بورسعيد القوات البريطانية والفرنسية ببسالة، وأصبحت هذه المدينة المصرية رمزاً للنضال الوطني ضد الاحتلال والبطل في الإرث القديم والماضي القريب شعب مصر
وهذا يشير بوضوح إلى إلقاء الضوء على حقيقة تتلخص في تأكيد الهوية والسيادة المصرية بورسعيد (1956) ممثلة في المقاومة الشعبية التي كرست رفض الشعب المصري للاحتلال والتأكيد على سيادة مصر على أراضيها وكانت لحظة دفاع عن الكرامة والاستقلال.

أما المتحف المصري الكبير (2025) يمثل تأكيداً آخر في نفس إتجاه الهوية والسيادة الوطنية لمصر لكنه هذه المرة ليس بالسلاح، بل بالثقافة والحضارة.
هذا الحدث هو إعلان للعالم أن مصر، صاحبة أعرق حضارة، قادرة على حماية تراثها وعرضه بأفضل صورة، وهو شكل من أشكال “السيادة الثقافية” وفي الوقت نفسه يربط بين تاريخ مصر القديم وتاريخها الحديث الذي تم فيه استعادة الروح الوطنية والانتماء لهذا الوطن !

بعبارة أخرى إن مقاومة بورسعيد كانت مصدر فخر وطني عميق، حيث وقف شعب أعزل بوجه جيوش نظامية تمتلك قوة بطش وقتل هائلة
ويقدم المتحف الكبير على أنه مصدر فخر ايضا وإن كان في سياق مختلف انه إنجاز معماري وحضاري يؤكد موقع مصر على خريطة السياحة الثقافية العالمية بشكل يرمز لعظمة الماضي وقدرة الحاضر.

وهكذا نجد ربطا بين حلقات النضال المصري عبر. حقب تاريخية متباينة !

و يمكن النظر إلى الحدثين المذكورين كحلقتين في سلسلة واحدة من النضال من أجل تأكيد الذات المصرية!

الحدث الأول في بورسعيد كانت نضالاً بالسلاح للدفاع عن الأرض، والحدث الثاني افتتاح المتحف قبل أيام و هو نضال بالعلم والثقافة والبناء لتأكيد المكانة وكلاهما يعبر عن إرادة مصرية واحدة في الصمود و التألق في هذه المنطقة من العالم وقد يستخدم الخطاب الإعلامي هذه الرموز لتقديم سردية متكاملة عن مصر من اعماق التاريخ ويقدم ايضا أمة قاومت الاحتلال بأبطال في بورسعيد، وهي نفسها التي تبهر العالم اليوم بتراثها في المتحف الكبير هذا الربط يعمق الشعور بالاستمرارية والانتماء!

إن العلاقة الموضوعية بين افتتاح المتحف المصري الكبير والمقاومة الشعبية في بورسعيد هي علاقة رمزية وليست زمنية أو سببيه إنها علاقة بين فعل المقاومة الذي يحمي الأرض والهوية، و فعل البناء الذي يعيد إحياء وتقديم هذه الهوية للعالم وكلاهما وجهان لعملة واحدة هي التأكيد على السيادة الوطنية والكرامة المصرية في مراحل تاريخية مختلفة وبأساليب تتناسب مع كل مرحلة.

باختصار، بورسعيد تمثل روح المقاومة والدفاع عن مصر، والمتحف المصري الكبير يمثل روح البناء والعرض لحضارة مصر و يشكلان معا ركني هوية مصر….

القوة في الدفاع عن النفس.

العظمة في الإسهام الحضاري.

*كاتب المقال: رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالهيئة الوطنية للإعلام.

الاخبار العاجلة