تقرير: فاطمة خليفة
توجت اليوم الاثنين النائبة “سمية صولوحو حسن” رئيسة لدولة تنزانيا، عقب فوزها في نتائج الانتخابات الرئاسية التنزانية الأخيرة، بنسبة تجاوزت 97 % من الأصوات، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة البلاد، في واحدة من أكثر الدول استقرارًا في شرق أفريقيا.
وفي وقتٍ تتجه فيه أنظار القارة الأفريقية إلى تنزانيا، يبرز اسم “صولوحو” نائبة الرئيس السابق “جون ماجوفولي” كمؤسسة لحقبة جديدة من حكم تنزانيا، مما يفتح باب النقاش حول طبيعة التحول في الحكم بين مرحلة الرئيس الراحل والحقبة الجديدة بقيادة “صولوحو”؛ خاصة في ظل الجدل الحاصل بين “جيل زد” الذي يراها استمرارًا لنهج الحزب الحاكم، وبين من يعتبرها خطوة جديدة نحو الانفتاح وتمكين المرأة.
من هي سمية صولوحو؟
تنحدر أصول صولوحو من جزيرة زنجبار، حيث بدأت حياتها المهنية موظفة في القطاع العام، ثم انخرطت في العمل الحكومي في زنجبار، حيث شغلت مناصب وزارية أبرزها وزيرة المرأة والشباب، وفي عام 2010 انتخبت عضوة في البرلمان الوطني، لتصعد بسرعة في صفوف حزب الثورة الحاكم.
اختارها الحزب في عام 2015، لتكون نائبة للرئيس الراحل “ماجوفولي”، لتصبح أول امرأة في تاريخ البلاد تشغل هذا المنصب، قبل أن تتولى الرئاسة رسميًا في مارس 2021 عقب وفاته أثناء ولايته.
من نائبة إلى أول رئيسة في تاريخ البلاد
استمرت سمية في حكم البلاد في فترة حساسة، إذ واجهت البلاد آنذاك أزمة اقتصادية وصحية بسبب جائحة كورونا العالمية، وسط عزلة سياسية فرضها نهج سلفها. ومع بداية عهدها، أعلنت عودة البلاد إلى التعاون مع منظمة الصحة العالمية، وأطلقت حملة تطعيم وطنية، كما أعادت التواصل مع المؤسسات المالية الدولية بعد سنوات من التوتر.
وفي انتخابات أكتوبر 2025، أكدت اللجنة الوطنية للانتخابات فوزها الكاسح، في عملية انتخابية وصفتها المعارضة بأنها غير نزيهة وشهدت احتجاجات واسعة واشتباكات دامية في عدد من المدن، ورغم الانتقادات، أدى فوزها إلى تثبيت موقعها كزعيمةٍ قوية، ورمزٍ نسائي نادر في القارة الأفريقية.
الاستمرار والتغيير بين إرث “ماجوفولي” وانفتاح “صولوحو”
ينتمي كل من ماجوفولي وصولوحو إلى الحزب ذاته، إلا أن خلفيتهما السياسية ونهجهما في الحكم يختلفان في الأسلوب والرؤية، فقد اشتهر “ماجوفولي” بصرامته في محاربة الفساد، وتشديده على الانضباط المالي وخفض النفقات الحكومية، لكنه واجه في المقابل انتقادات واسعة بسبب تضييق الحريات العامة، وإغلاق المجال السياسي والإعلامي خلال فترة حكمه.
أما صولحو، فقد حاولت أن تميز نفسها بنهج أكثر انفتاحًا وهدوءًا، فطرحت مبادرة مصالحة لإعادة البناء والإصلاح اتسمت بالمرونة، بهدف ترميم الانقسامات الداخلية وإعادة الثقة بالمؤسسات، وفي عام 2023، سمحت بعودة التجمعات الحزبية المعارضة بعد حظر دام لسنوات، في خطوة رآها مراقبون مؤشرًا إيجابيًا، قبل أن تتراجع كافة الأجواء الديمقراطية مجددًا مع اقتراب الانتخابات الأخيرة.
سياساتها الاقتصادية والخارجية
على الصعيد الاقتصادي، تسعى إدارة صولوحو إلى رفع معدل النمو، من خلال تعزيز قطاعات التعدين والطاقة والزراعة، كما أعلنت الحكومة موازنة جديدة تركز على زيادة الإيرادات المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية، في ظل مشاريع طموحة للبنية التحتية والطاقة الكهرومائية.
أما على الصعيد الخارجي انتهجت صولحو سياسة متوازنة أعادت تنزانيا إلى دائرة الحضور الإقليمي والدولي، وفتحت قنوات حوار جديدة مع الغرب، دون التخلي عن الشراكات الاستراتيجية مع الصين والهند.
تحديات ما بعد الفوز
رغم صورة “الانفتاح” التي تحاول الرئيسة الجديدة رسمها، إلا أن حكومتها تواجه انتقادات متصاعدة من المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان بسبب تضييق الفضاء السياسي واعتقال ناشطين، خاصة خلال الاحتجاجات الأخيرة التي أعقبت الانتخابات.
 ويرى محللون أن مستقبل عهدها سيتوقف على قدرتها على تحقيق توازن بين الاستقرار السياسي والإصلاح الحقيقي، وعلى مدى التزامها بإطلاق حوار وطني شامل يضمن مشاركة المعارضة والمجتمع المدني.
تقف تنزانيا اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بين إرثٍ سلطوي تركه ماجوفولي، وطموحٍ إصلاحي تعلنه سمية صُولحو حسن، والأيام المقبلة، ستكشف مدى جدية وعود الرئيسة بالمصالحة والإصلاح إلى خطوات ملموسة تعزز الديمقراطية، أو أن تظل البلاد أسيرة استمرارية الحزب الواحد في ثوب جديد، تحت قيادة أول امرأة تصل إلى سدة الحكم في تاريخها الحديث، أو أن جيل زد سيقلب المعادلة رأسا على عقب؟

		
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					
					


