لبنان على فوهة البركان

منذ 3 ساعاتآخر تحديث :
وجدي صادق
وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

في خضمّ العاصفة الإقليمية التي تهزُّ الشرق الأوسط، يقف لبنان اليوم على حافة مدار ملتهب، تتقاطع فيه خيوط النار بين الشرق والغرب، وتتطاير شرارات الصراع من كلِّ صوبٍ وحدب. وفي لحظةٍ يختلط فيها صوتُ السياسة بأنين الأرض وإرتعاش الخوف في صدور الناس، يجيء التحذيرُ الروسي كناقوسٍ يدقُّ في صمتِ القلق: “لا حدودَ لما سيحصل”.

ليست الكلماتُ عابرة، ولا اللهجةُ عادية، بل هي نُذُرُ مرحلةٍ تتجاوزُ الحسابات الصغيرة، وتُطلُّ على مشهدٍ أكبر، يُعاد فيه رسمُ الخرائط وتبديلُ الموازين. فلبنانُ، هذا الوطنُ الصغير بحجمه والكبير بدوره، يجدُ نفسه مجدداً بين فكيّ الطموحات الدولية، ساحةً مفتوحةً لتجاذب القوى، ومسرحاً تتلاقىٰ فيه الخطوط الحمراء دون أن تُرسم فعلاً… في المحيط العربي والغربي، تتبدّلُ المواقف كما تتبدّلُ الرياح، تتسابقُ العواصم في التصريحات، وتُحاكُ خلف الستار تفاهماتٌ لا يُعرف إن كانت لحماية لبنان أم لتقسيمه من جديد. أما الداخل اللبناني، فيكاد يغرق في صمته، بين الإنقسام السياسي والضياع الإقتصادي، وبين من يراهنُ على الحياد ومن يلوّحُ بالمقاومة ومن يستنجدُ بالمجتمع الدولي. لكنّ المشهد أعمقُ من ذلك. فالحربُ الكبرى التي تُطلُّ برأسها في المنطقة، ليست حرباً على حدودٍ أو أرضٍ فقط، بل هي معركةُ نفوذٍ، وصراعُ إراداتٍ بين قوى عظمى تكتبُ بالدمّ ما عجزت عن توقيعه بالحبر.

ولبنان، بما يمثّل من موقعٍ حساسٍ على خريطة الصراع، يبقى نقطةَ تماسٍ دقيقةٍ بين النيران، يتهدّده الإنفجار من الجنوب كما من الداخل… التحذير الروسي، وإن بدا سياسيّاً في شكله، يحملُ في طيّاته رسالةً أمنيةً وإستراتيجية: “إيّاكم أن تُستَدرَجوا”. فالمنطقة على فوهةِ بركان، وكلُّ شرارة قد تُشعل حريقاً لا يُطفأ. وما يُقالُ في العلن ليس سوى جزءٍ من حقيقةٍ تُدار في الخفاء، بين غرف القرار وممرّات الإستخبارات…. وحده لبنان، المنهكُ بأزماته، الممزّق بأوجاعه، يحاولُ أن يلتقط أنفاسه بين هدير التهديدات، متشبثاً بما تبقّى من حكمة وحياد وحذر سياسيّ. ولكنّ العاصفةَ تقترب، والعينُ الروسية لا تحذّر عبثاً. فكلُّ تأخيرٍ في الموقف، وكلُّ تردّدٍ في الرؤية، قد يكونُ ثمنُهُ الوطنُ نفسه. إنها ساعةُ الحقيقة، ساعةُ أن يُدركَ اللبنانيّون أنّ بلادهم لم تعُد بمنأى عن نارٍ تُشعلُها مصالحُ الآخرين.

فإمّا أن يُكتبَ للبنان أن يكونَ جسراً للحوار، أو أن يُدفَن مجدّداً تحت ركام الحروب التي لا تُشبع أحداً…. لبنان، في مدار الحرب الكبرى، ليس مجرّدَ إسم على خارطة صغيرة، بل هو إمتحان وعي الأمم، ومِحكٌّ لقدرةِ العالم على إنقاذ ما تبقّى من سلامٍ قبل أن تبتلعَهُ النيران.▪︎

 

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة