‏المغرب إلى.. أين؟

التظاهرات هي الأكبر في تاريخ المغرب ومشاركة الشباب وصلت إلى 70%

3 أكتوبر 2025آخر تحديث :
‏المغرب إلى.. أين؟
شيرين هلال:

>> مظاهرات الشباب تطالب برعاية قطاعي الصحة والتعليم

>> الشباب يعترض على فشل حكومة عزيز أخنوش

>> الملك محمد السادس ألقى خطابا موجزا (بدا فيه مرضه) وأقر بوجوب تغييرات في سياسة الدولة

>> حكومة عزيز أخنوش تعلن تفهمها لمطالب الشباب.. واستجابت جزئيا برفع ميزانية التعليم إلى 9 مليارات دولار

>> وعود بتحسين أجور المعلمين وزيادة عدد المدارس وتعزيز الإنفاق على القطاع الصحي

>> اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة أدت لاعتقال 400 شخص وإصابة 362 آخرين ووفاة 3 أشخلص في إقليم انزكان

>> التيار الإسلامي ينضم إلى التظاهرات ليزيد من تأجيج التوترات

>> القضية الفلسطينية حاضرة.. واتهامات للملك والنظام بالتطبيع مع دولة الاحتلال الأمريكي

>> تحدي النظام الملكي أو المطالبة بإسقاطه.. مطلب لا يتماشى مع الثقافة الشعبية المغربية

>> المملكة المغربية أقدم ملكية في العالم الإسلامي منذ عام 1666.. والملك يحمل لقب “أمير المؤمنين”

>> القلق الأكبر يتمثل في سيطرة الإسلاميين على مظاهرات الشباب للتحول براءة المطالب إلى جرائم عنف واقتحام وارتفاع سقف المطالب بانهيار النظام

‏خرجت مظاهرات حاشدة في المغرب يوم 27 سبتمبر، نظّمها شباب عبر الإنترنت. أطلق المشاركون على أنفسهم اسم “جيل Z212” (212 هو رمز الهاتف الدولي للمغرب)، وتركّزت مطالبهم على قضيتين رئيسيتين: القطاع الصحي والتعليمي، مع التعبير عن اعتراضهم على فشل حكومة عزيز أخنوش، التي تشكّلت قبل ثلاث سنوات عقب الانتخابات الأخيرة، والتي استندت حملتها الانتخابية إلى وعود بمعالجة القضايا ذاتها التي خرج الشعب من أجلها.

 

‏أما عن نتائج المظاهرات، فقد ألقى الملك خطابًا موجزًا موجهًا إلى الشعب، بدا فيه مرضه واضحًا من خلال نبرة صوته وكلامه، لكنه أقرّ بالتحوّل الديموغرافي الذي تشهده المغرب، والذي يستلزم تغييرات في سياسات الدولة. ورغم مرضه، ردّ الملك بثقة على الدعوات التي تهدف إلى إفشال جهود المملكة في خفض نسبة الفقر، مؤكدًا أن المغرب خفّض نسبة الفقر من 11.9% إلى 6.8% في عام 2024. ويُعرف عن الملك محمد السادس قربه العاطفي من الشعب المغربي، حيث يحظى بحب وتقدير كبيرين، على عكس أسلافه، ولا سيما والده الملك الحسن الثاني الذي اشتهر بشدة القمع. ورغم ذلك، يواصل الملك ممارسة مهامه بشكل طبيعي، كما لو كان يريد نفي شائعات هروبه، حيث هنّأ رئيس قبرص بعيدها الوطني، وافتتح أمس مستشفى جديدًا للأمراض النفسية، كما يحيي اليوم ذكرى وفاة والده الملك الحسن الثاني، مع تأكيد حضوره الفعالية من القصر الملكي. وقد أدلى الملك بتصريح مهم: “لن يسير المغرب بسرعتين، لا اليوم ولا غدًا ولا في أي وقت”، في إشارة إلى تفهّمه للمطالب، لكنه شدّد على ضرورة الاعتدال فيها ورفض التجاوزات أو المزايدات، متحدثًا من موقف قوة لا ضعف.

‏أما الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش، فقد أعلنت تفهّمها للمطالب، وردّت باستجابة جزئية شملت رفع ميزانية التعليم إلى 90 مليار درهم (9 مليارات دولار)، مع وعود بتحسين أجور المعلمين، وزيادة عدد المدارس الجديدة، وتعزيز الإنفاق على القطاع الصحي، مع التزام برفع مؤشر المغرب المنخفض في التصنيفات الدولية (المرتبة 94 عالميًا).

وفي الوقت نفسه، شهدت المظاهرات تعاملًا أمنيًا عنيفًا بعد اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، شارك فيها عدد كبير من الشباب بنسبة وصلت إلى 70%. أدت هذه الاشتباكات إلى اعتقال ما لا يقل عن 400 شخص، وإصابة 362 آخرين، وأعلنت السلطات المغربية وفاة ثلاثة أشخاص في إقليم إنزكان أثناء محاولة اقتحام مركز الدرك الملكي. والدرك الملكي قوة شبه عسكرية تتمتع بتدريب عالٍ وصلاحيات واسعة، وتُعنى بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن العام، وليس بجرائم مثل السرقة أو النشل. وبالتالي، فإن استهداف المتظاهرين لهذا المركز بالذات، مع علمهم بطبيعة تدريبه وتسليحه، يثير تساؤلات حول نواياهم، التي قد تتجاوز المطالب الشعبية إلى أهداف أخرى مثل زعزعة استقرار النظام.

 

 

‏جاءت هذه الحكومة بعد حكومات إسلامية سابقة كانت أقل كفاءة. وهذا يسلط الضوء على دور التيارات الإسلامية في تأجيج التوترات بعد خروجها من السلطة. بدأ الإسلاميون يظهرون بشكل علني في المشهد السياسي بعد أن انضمت قواعدهم الشبابية إلى المتظاهرين أمام الشرطة، مما أدى إلى تصعيد الاشتباكات. ثم أعلن رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران دعمه للمظاهرات، محذرًا من “مصير مجهول” وداعيًا إلى حوار وطني.

‏أما عن توقيت المظاهرات، فيتزامن مع قضية دولية تهم المغرب، حيث أشار الملك في تصريح شهير إلى أن “المغرب ينظر إلى العالم من عدسة الصحراء المغربية”. ففي أكتوبر 2025، من المقرر أن يصدر مجلس الأمن قرارًا لتجديد بعثة “مينورسو” في الصحراء الغربية، وهي واحدة من أقدم بعثات الأمم المتحدة، أُنشئت عام 1991 لمراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتسهيل التوصل إلى حل سياسي. كان من المفترض أن تنظم هذه البعثة استفتاءً لتقرير المصير، لكنه تأجل لسنوات بسبب خلافات حول هوية الناخبين والجوانب اللوجستية. ويُجدد تفويض البعثة سنويًا في أكتوبر، وقد دعمت تقاريرها الحل السياسي بدلاً من الاستفتاء، مع تأييد مقترح الحكم الذاتي المغربي المدعوم من أكثر من 116 دولة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، ويتوقع أن يتم إنهاء عمل البعثة مع إقرار السيادة المغربية بشكل نهائي.

‏فقدت جبهة البوليساريو معظم الدعم الدولي بسبب اتهامات مرتبطة بالإرهاب، مما أدى إلى تأجيل الاستفتاء وتعزيز الموقف الدبلوماسي للمغرب. ورغم صدور قرار سابق من المحكمة الأوروبية في عام 2024 بشأن ضرورة موافقة الشعب الصحراوي على الاتفاقيات التجارية، فإن قرارات مجلس الأمن تظل السلطة العليا عالميًا، حيث تتفوق على قرارات غيرها من المؤسسات الدولية.

‏لم يبقَ لجبهة البوليساريو دعم يُذكر سوى من الجزائر، وهو دعم قوي جدًا، إلى جانب بعض الدول الأفريقية مثل جنوب إفريقيا، التي تؤيدها إعلاميًا لتؤكد التزامها بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وتسعى من خلال ذلك إلى تعزيز أحقيتها بمقعد دائم في مجلس الأمن، وفقًا لتعهدات الدول الكبرى التي تلوّح بإمكانية تخصيص مقعد دائم لدولة إفريقية. وبالعودة إلى قضية المغرب، تستمر البوليساريو في المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء الغربية يتضمن خيار الاستقلال، بينما يرفض المغرب هذا الاستفتاء، واقترح بدلاً من ذلك منح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وترى غالبية الدول أن الاستفتاء غير عملي، مما أدى إلى تأجيل مناقشات مجلس الأمن حوله لعقود طويلة لصالح حل سياسي تفاوضي يعزز موقف المغرب، خاصة أن الخرائط والأدلة التاريخية تثبت مغربية الصحراء. ومن هنا، برزت محاولات لإضعاف الجبهة الداخلية للمغرب من خلال استغلال مطالب الشباب.

 

 

‏تُعد القضية الفلسطينية أداة فعالة ومُجرّبة في هذا السياق. تضمنت المظاهرات هتافات تتهم الملك والنظام بالتطبيع مع إسرائيل، مما أثار مشاعر حادة، خاصة مع انضمام التيار الإسلامي الذي استغل المظاهرات في مراحلها المتأخرة، وقادها نحو العنف وشعارات تطالب بإسقاط النظام. وأُضيف إلى ذلك استغلال ظروف مرض الملك الشديد وحاجته إلى السفر للخارج لتلقي العلاج، وغيابه أحيانًا عن بعض المناسبات، إلى جانب صغر سن ولي العهد الأمير الحسن بن محمد (22 عامًا)، مما أثار نقاشات حول استحقاقيته لتولي السلطة في حال حدوث ذلك. كما طُرحت مناقشات حول ممتلكات الأسرة الملكية ونفقاتها من أموال الدولة، وهي قضايا تُثار بشكل دوري ثم تخفت نظرًا لمكانة الأسرة الملكية في نفوس الشعب.

‏لكن فكرة تحدي النظام الملكي أو المطالبة بإسقاطه لا تتماشى مع الثقافة الشعبية المغربية حاليًا. فمن لا يعرف المغرب جيدًا ولا يدرك طبيعة بيئته السياسية الداخلية، سيجد صعوبة في فهم علاقة الشعب المغربي بأحد أقدم الأنظمة الملكية في العالم.

تتميز الأسرة الملكية المغربية (العلويون) بكونها أقدم ملكية مستمرة في العالم الإسلامي، حيث تحكم منذ القرن السابع عشر (1666)، ولها نسب شريف يرتبط بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويحمل الملك لقب “أمير المؤمنين”، مما يمنحه سلطة روحية كبيرة في المغرب. كما احتفظ الشعب المغربي بهويته الثقافية والتراثية، من زي وعادات وطعام، ولم يتمكن الاحتلال الفرنسي من تغييرها. وعلاوة على ذلك، ساهمت الأسرة الملكية في الحفاظ على استقرار المغرب مقارنة بدول عربية أخرى، سواء خلال فترة الاحتلال أو أثناء الربيع العربي.

‏ولكن ما يثير القلق الحقيقي من هذه الموجة من التظاهرات ، هى الصورة التي يجب النظر إليها بعناية من مظاهرات “جيل Z212”. فكما هو الحال في معظم الثورات، يبدأ الشباب مطالبهم ببراءة، ثم تنقض عليهم التيارات الإسلامية بكوادرها المنظمة، وعنفها المُدبَّر، وتحركاتها المُحكمة التخطيط، فتتحول البراءة إلى جرائم اقتحام وعنف، وتسقط الضحايا، فيزداد حماس الشباب، ويرتفع سقف المطالب حتى يصل إلى انهيار المؤسسات والنظم.

 

 

نأمل ألا تصل المغرب إلى هذه المرحلة، لكن يجب رصد دور الإسلاميين في أعمال العنف والتصعيد والتعامل معه بحزم.

‏يجب فصل هذا الفصيل المتأسلم عن الشباب الثائرين في الشوارع، وإخراجهم من البيئة الحاضنة للأفكار المتطرفة، إذ إنهم الآن في مرحلة الفرز والتجنيد، خاصة لقادة هؤلاء الشباب. كلما طالت مدة التظاهر، زادت فرص التغلغل الإسلامي، وعندها يصبح القضاء على أفكارهم العنيفة أمرًا شبه مستحيل. مطالب الشباب حاليًا تنبع من حب الحياة والغيرة على الوطن، لكن إذا تم استيعابهم فكريًا من قِبل الإسلاميين، فقد يتحولون إلى كراهية للحياة والانتقام من الوطن وأهله، والتجارب السابقة شاهدة على ذلك.

‏أنا من الأشخاص الذين يرون أن الملكية المغربية لن تنتهي، ولا يُرجح أن يكون هناك تنحٍ من الملك لصالح ولي العهد أو الجيش. لكن الخطر الحقيقي يكمن في احتلال عقول الشباب من قِبل التنظيمات الإسلامية بأفكارها العنيفة، مما قد يزيد من نفوذ التيار الإسلامي في المستقبل، ويوسّع فرص الإرهاب في المغرب، الذي له تاريخ طويل في مكافحة الإرهاب العابر للحدود.

الاخبار العاجلة