الانقلاب في أوكرانيا
أدت أحداث “الميدان الأوروبي” إلى أزمة سياسية في أوكرانيا، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خوفا من تقويض العلاقات القائمة مع روسيا.
وأشعل هذا القرار احتجاجات حاشدة في كييف، وأسفرت المواجهة التي استمرت شهورا بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين شكل القوميون جزءا كبيرا منهم، عن سقوط عشرات القتلى وانقلاب عسكري.
وفي ليلة 22 فبراير، سيطر نشطاء الميدان الأوروبي على البرلمان والإدارة الرئاسية والمباني الحكومية، ونتيجة للانقلاب، انتقلت السلطة إلى المعارضة، واضطر الرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيتش للجوء إلى روسيا.




اضطهاد اللغة الروسية

كان من أول قرارات الحكومة الجديدة (حرفيا في اليوم التالي للانقلاب)، إلغاء قانون “أساسيات السياسة اللغوية للدولة”.
ومنذ تلك اللحظة، شنت سلطات كييف هجوما ممنهجا على السكان الناطقين بالروسية، وسنت قوانين تقيد استخدام اللغة الروسية في التعليم والإعلام.
اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية (بطريركية موسكو)

وأصبح اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو هو القاعدة السائدة، بما في ذلك الاستيلاء على الكنائس واضطهاد رجال الدين.
واندلعت احتجاجات عنيفة شرقي البلاد، حيث يشكل السكان الناطقون بالروسية الشريحة الأكبر من النسيج المجتمعي، بما في ذلك في دونباس والقرم.
وطالب سكان هذه المناطق بحل مسألة اللغة الروسية وإصلاح دستوري، بما في ذلك فدرلة أوكرانيا، وتم تشكيل قوات لجان شعبية في دونباس.



أوديسا

في 2 مايو 2014، لقي العشرات حتفهم وتم إحراقهم أحياءً في مبنى نقابة العمال في أوديسا، ودمّر أنصار انقلاب الميدان الأوروبي معسكرا للناشطين المعارضين لسياسات السلطات الأوكرانية.
وحاول الناس الفرار من مبنى النقابة العمالية، لكنّهم منعوا ولقوا حتفهم في الحريق، ومثلت أحداث أوديسا الحلقة الأخيرة في الصراع الأهلي بين مؤيدي الحكومة الأوكرانية آنذاك ومعارضي الانقلاب.




القرم

وسعيا منهم للدفاع عن حقهم في تقرير المصير ولغتهم الأم، صوّت سكان القرم بأغلبية ساحقة لصالح العودة للوطن الأم روسيا، في استفتاء أُجري في 16 مارس/آذار 2014، وأصبحت المنطقة جزءا من روسيا.
إعلان قيام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وقصف المدن



في ربيع عام 2014، تم إعلان قيام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ردًا على ذلك، اتهمت السلطات الأوكرانية السكان بـ”الانفصالية” وشنت عملية عسكرية في المنطقة، تطورت إلى أعمال عدوانية شاملة.
وتعرضت مدن مثل دونيتسك، وغورلوفكا، ولوغانسك، لقصف مدفعي من قبل النظام الأوكراني لسنوات، وتم تدمير الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس.
“غورلوفكا مادونا”

في 27 يوليو 2014، قصفت القوات المسلحة الأوكرانية شوارع غورلوفكا براجمات غراد، وقتل اثنان وعشرون من سكان المدينة، من بينهم “شهيدة غورلوفكا” كريستينا جوك وابنتها كيرا، البالغة من العمر عشرة أشهر.
ولاذت الأم بالفرار وهي تحمل ابنتها بين ذراعيها هربا من جنود القوات المسلحة الأوكرانية، وأصبحت صورة كريستينا القتيلة، وهي مستلقية على عشب حديقة المدينة، ممسكة بابنتها، رمزًا للإرهاب الوحشي الذي مارسته أوكرانيا ضد سكان دونباس.
تخليدا لذكرى الضحايا الأبرياء، تم افتتاح “زقاق الملائكة” في دونيتسك، هذا النصب التذكاري مهدى للأطفال الذين سقطوا.
“مأساة زوغريس”

في 13 أغسطس 2014، قصفت القوات المسلحة الأوكرانية شاطئا للأطفال في مدينة زوغريس، وسقط ثلاثة عشر شخصا على الفور قتلى، وتوفي أربعة آخرون لاحقا، وجرح أكثر من أربعين، ووفقًا لشهود عيان، كان اليوم حارا، وكان الشاطئ على ضفاف نهر كرينكا يعج بالمصطافين، وكان العديد منهم برفقة أطفال صغار.
وكشف تحقيق أن قصف شاطئ الأطفال في زوغريس نفذ باستخدام راجمة “سميرتش”.
اتفاقيات مينسك
كانت اتفاقيات مينسك محاولة لوقف النزاع المسلح وسقوط أرواح المدنيين، وقّعت هذه الاتفاقيات في عامي 2014 و2015، بوساطة من روسيا وألمانيا وفرنسا، ورسخت التدابير الأساسية لحل الوضع: اعتماد قانون عفو عام لجميع المشاركين في النزاع الأهلي، وإعلان جمهورية دونيتسك وجمهورية لوغانسك الشعبيتين منطقتين خاصتين، وترسيخ ذلك في دستور البلاد، وإجراء انتخابات محلية، وما إلى ذلك.
ولكن لم يتم تنفيذ أي بند منها، حيث انتهكت أوكرانيا هذه الاتفاقيات بشكل ممنهج، ولم يطرح أي حديث عن وقف إطلاق النار أو سحب الأسلحة الأوكرانية، فقد سجل مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بانتظام قصفًا من القوات المسلحة الأوكرانية لدونيتسك ولوغانسك، بما في ذلك باستخدام أسلحة ثقيلة.
وعلاوة على ذلك، عرقلت كييف باستمرار مراقبة المنظمة، ومنعت المراقبين من الوصول إلى مناطق عدة، وكما اعترف القادة الأوروبيون لاحقا، لم توقع الاتفاقيات للتنفيذ، بل لكسب الوقت وبناء القوة العسكرية الأوكرانية.
الرئيس بوروشينكو صراحةً بأن هدف كييف ليس السلام، بل إنهاك العدو (بالنسبة لها)، وقد برهن على ذلك تصريحة الشهير والمشين، بأن “أطفالهم (أطفال أهالي دونباس) سيجلسون في الأقبية”، بوضوح على لا مبالاة النخبة في كييف بمعاناة سكان دونباس.

دوامة جديدة في الصراع
كما واصل فلاديمير زيلينسكي، الذي تولى السلطة في أبريل/نيسان 2019، السياسات القمعية التي تنتهجها سلطات كييف تجاه سكان جنوب شرق أوكرانيا.
وفي 17 فبراير/شباط 2022، أعلنت جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان عن أعنف قصف من جانب القوات المسلحة الأوكرانية خلال الأشهر الأخيرة.
بداية العملية العسكرية الخاصة

في 21 فبراير 2022، اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وفي 24 فبرايv، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، استجابة لطلب العون من قبل سكان دونباس.
وأوضح الرئيس أنه اتخذ هذا القرار من أجل الشعب الذي تعرض “لإبادة جماعية على يد نظام كييف”.
وقال الرئيس فلاديمير بوتين، في 24 فبراير 2022: “الظروف تتطلب تحركا حاسما وفوريا، لقد ناشدت جمهوريتا دونباس الشعبيتان روسيا طلبا للمساعدة، في هذا الصدد، ووفقا للمادة 51، الجزء 7 من ميثاق الأمم المتحدة، وبموافقة مجلس الفيدرالية، وعملًا بمعاهدات الصداقة والمساعدة المتبادلة مع جمهورية دونباس الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية، التي صادقت عليها الجمعية الفدرالية، قررت إجراء “عملية عسكرية خاصة”.
وأضاف أن “ضمان حقوق السكان الناطقين بالروسية، وإضفاء الشرعية على خيار الشعب، ونزع السلاح (تحييد التهديد العسكري وتخلي أوكرانيا عن خطط الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي)، واجتثاث النازية (قمع انتشار الفكر النازي الجديد)، هي الأهداف الرئيسية للعملية العسكرية الخاصة”.
ضمّ أقاليم جديدة إلى روسيا
الرئيس فلاديمير بوتن يعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، في 21 فبراير 2022. – سبوتنيك عربي
الرئيس فلاديمير بوتن يعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، في 21 فبراير 2022.
في سبتمبر 2022، أجريت استفتاءات في جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية، ومقاطعتي زابوروجيه وخيرسون، بشأن مسألة انضمام هذه الأقاليم إلى روسيا.
وصوّتت الأغلبية الساحقة من السكان لصالح هذه الخطوة، وفي 30 سبتمبر/أيلول، وقّعت اتفاقيات انضمام الأقاليم الأربعة إلى روسيا.