
بقلم: وجدي صادق

ها هو الحرفُ اليومَ يبكي، والكلمةُ تنحني خاشعةً على ضريح القوافي، ترثي من حمل الشعرَ في قلبه ناراً ونوراً، من صاغَ من الزجل مجداً، ومن الوجع لحناً خالداً… رحلَ طليع حمدان، أميرُ المنبرين، فترمّلت القصيدة، وتيتّمَ الزجلُ، واغتربَ الوطنُ عن صوته الذي كان صدى الجبل ووجدان الناس.
يا طليع، يا سيّدَ الحرفِ الجبليّ، يا من جعلتَ الكلمةَ تضجّ بالعنفوان، والفكرةَ تنبضُ بكرامة الأرضِ وأصالةِ الإنسان، كيف نكتبُ بعدكَ والنبضُ غاب؟ كيفَ نُنشدُ والوزنُ بكى؟ كنتَ مدرسةً في النخوةِ والوجدان، تزرعُ في السطورِ روحاً لا تموت، وتسكبُ في القلوبِ عِطراً من صدقِ الإحساس.
يا منبرَ الجنوبِ وصوتَ الوطن، يا من كان يواجهُ بالبيتِ الشعريِّ عواصفَ الظلمِ ويُمسكُ بجمرةِ الكلمةِ كفارسٍ لا يلين… غيابُك ليس غيابَ جسدٍ، بل غروبُ نجمٍ من نجومِ الذاكرةِ اللبنانية، غروبُ رجلٍ كان إذا تكلّم صمتَ الزمانُ إجلالاً.
كم من بيتٍ زجليٍّ سيبقى يتيماً بعدك، وكم من منبرٍ سيسألُ عن صدى صوتك الهادر، وعن حضورك الذي كان يُشعلُ القلوبَ حماسةً، والعيونَ دمعةً وفخراً. تركتَ وراءك إرثاً من الكرامةِ والعنفوان، من الشعرِ الذي يشبهُ الحجرَ اللبنانيَّ في صلابته، والماءَ في صفائه، والسماءَ في علوّه.
سلامٌ عليكَ يا أمير الزجل.
سلامٌ على روحِك التي صعدتْ كما تصعدُ الأبياتُ إلى خلودِها،
سلامٌ على إسمٍ سيبقى محفوراً في وجدانِ الوطن، وفي ذاكرةِ الشعر،
طليع حمدان… لن تموتَ ما دام في لبنانَ صوتٌ يُنشدُ، وحرفٌ يتوهّجُ بحبّ الأرض والكرامة.
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.
