
️
بقلم: وجدي صادق
لن يتعافى الوطن، ولن ينهض من ركام الإنهيار، طالما المنظومة السياسية ما زالت تتوارث الفشل كما تتوارث العائلات أسماءها وألقابها. تلك المنظومة التي تحولت من وسيلة حكم إلى مافيا سلطة، ومن أداة إدارة إلى شبكة مصالح متشابكة، تتغذى على دماء الشعب وتتنفس من وجع الفقراء.
لقد غدت السياسة عندنا إرثاً عائلياً مقدساً، لا يُمسّ، ولا يُسأل عن شرعيته، وكأن الكرسي حقٌّ إلهيٌّ يتنقل من الأب إلى الابن، ومن الجدّ إلى الحفيد، بلا كفاءة، بلا ضمير، وبلا ذرة خجل. وكأن الوطن مزرعة أجدادهم، ومواطنيه خدمٌ يورّثون معهم في صكوك العبودية الحديثة… أيّ توريث هذا الذي يجعل الوطن أسيراً لعائلات تقتات على فساده؟ أيُّ مستقبلٍ يُرجى من جيلٍ تربّى على الإمتياز لا على الكفاءة، وعلى الولاء لا على العطاء؟
كيف يتعافى الجسد إذا كان المرض هو الوراثة نفسها؟ وكيف يشفى الوطن إذا كانت عروقه تضخّ السمّ ذاته منذ عقود؟
لقد تآكلت الدولة من الداخل، تآكلت مؤسساتها، وانهارت منظومتها الأخلاقية قبل المالية، لأنّ من يحكم لا يحاسب، ومن يسرق يكرَّم، ومن يُخفق يُعاد إنتخابه تحت شعارات بائسة عن المقاومة أو الطائفة أو الزعامة. والمواطن المسكين يُساق إلى صناديق الإقتراع كما يُساق المريض إلى جرعة السمّ التي تقتله ببطء، ثم يشكر جلاده على “الاهتمام”! آن لهذا الوطن أن يثور على وراثة الخراب، أن يخلع عن كتفيه عباءة الخضوع، وأن يعلن بملء الحناجر:؛ كفى! كفى توريثاً للدمار، كفى إعادة إنتاج للوجوه ذاتها بملامح مختلفة. لا تعافٍ بلا قطيعة تامة مع هذه المنظومة، لا نهوض بلا اجتثاث من الجذور، لا مستقبل لوطن تُدار فيه السلطة كما تُدار الميراثات… الوطن ليس تركة، والسياسة ليست وصاية.
الوطن فكرة، رسالة، وإيمان بعدالة الإنسان لا بعظمة الأسماء. وإنّ أول خطوة في طريق التعافي أن ندفن هذه المنظومة بكل رموزها، أن نُغلق أبواب التاريخ على حقبة العار، ونكتب فصلاً جديداً عنوانه: الكرامة لا تُورّث… والحرية لا تُباع.
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.
