الأمير السعودي والتاجُ المرصّع

منذ ساعة واحدةآخر تحديث :
جوزف الهاشم
جوزف الهاشم

بقلم: جوزف الهاشم

مَـنْ هو هذا الفاتحُ العربي المعاصر الذي يستعيد ما كان لتاريخ الإسلام من فتوحات ، تدقُّ أبواب إفريقيا وإسبانيا وجنوب فرنسا والهند وأسوار الصين …؟
من هو هذا الفاتح الذي إسمهُ : محمد بن سلمان والذي راح يفتتـحُ البلدان بانفتاح الساعدين في مواجهة الإنغلاق بالسيف …؟
سيفُـهُ الصولجان ، والتاج مُصحَـف …

كيف يستطيع فارس الصحراء أن يمتَطيَ الجوادَ العربي الأصيل ويخوض ميدان السباق مع الفارس الشارد في القفـز فوق كل الحواجز الدولية …؟ وكيف يستطيع أن يطبّع الرئيس الأميركي إبراهيمياً قبل أن يطبّعَـهُ إسرائيلياً.

لا .. ليس الفضل لآبـار النفط التي تَرضَخُ لها شهيِّـةُ العنجهية الأميركية …

لقد كانت آبـار النفط قبل أن يكون محمد بن سلمان ، وكان البيت الأبيض يستثمر الذهب الأسود ، ويحاول أن يرميَ يوسفَ في البئـر .
العامل التاريخي يُبـرزُ الفارقَ بين عمق الآبار والقامات العاليات …

والتاريخ لا يصنع الرجال ، الرجال هـمٌ الذين يصنعون التاريخ .

لم يكن في تاريخ البيت الأبيض استقبالٌ ملوكي لأمير على بساطٍِ أحمر ، كمثل ما كان لوليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان .
الأمر يتعلق بجدليّةِ العلاقة بين العقل والأحداث ، ومنهجية الحضور في التأثيرات الخارجية ، إنّـه النهجُ الذي تميَّـزت بـهِ شخصية الأمير من خلال حكمةِ الإستشراف والتبصُّر العقلي ، مع بروز المملكة طاقـةَ نفـوذٍ راجحةً في محيطها الأوسع .

لقد احتضن وليُّ العهد الأشقاء العرب بعباءة حميمة ، ومـدَّ الأذرعَ البيضَ الداعمة لهـم ، وأبْـرمَ علاقاتٍ وديّـةً وطيدةً مع أوروبا وروسيا والصين ، واحتفظ بالعلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة ، استناداً إلى اللقاء الذي تـمّ في الرياض ، بين الرئيس الأميركي “روزفلت” والملك عبد العزيز بن سعود سنة 1945 .
بهذه الخصائص استطاعت السعودية أن تشكّل قاعدةً محوريةً لاحتواء التناقضات وقطباً جاذباً لرعاية المفاوضات ، وأن تكون مثالاً يُحتذى للسلام في الشرق ، بل للسلام العالمي .
وإلاّ .. فما هو السرُّ الذي يجعل كلامَ الأمير أميرَ الكلام عند الرئيس الأميركي دونالد ترامب ..؟

لقد استطاع أن يجمع الرئيسين الأميركي والسوري أحمد الشرع في الرياض، طالب برفع العقوبات القيصرية عن سوريا فكان له ما أراد ..
طالب باتفاق ٍ لوقف النار في قطاع غـزة ، فكان الأمرُ مفعولاً ..

طالب بموقف أميركي في السودان ، فتلقّى وعـداً أميركياً بالتدخل وصولاً إلى حـلّ .

وإلاّ فماذا يمنع أن تتحوّل أرض السودان كلُّها إلى مقابر ، وهناك حسب الإحصاءات 21 مليون إنسان يعانون من التهجير والأمن الغذائي والأمن الإنساني والأمن النسائي .

وبفعل ما يتمتع بـه الأمير من تأثير في “الإستكبار” الأميركي ، طلبت إيران أن يتوسَّـطَ لها من أجل التوصّل إلى حـلّ للأزمة النووية الإيرانية .
هكذا كانت شيمةُ الإمام علي بن أبي طالب ، حين راح يُسْدي النصحَ لخصمه بالقول : “حين يستنصحني خصمي ، يكون قـد خـرج من عداوتي إلى موالاتي فأُخلِصُ لـه النصيحة ..”

بمقدار ما نعتـزّ بأمير عربي ، ولا سيما سعودي يرتقي إلى هذا المقام الدولي الرفيع المستوى ، يعـزّ علينا أن نفتقد الدور الذي كان يتمّيز بـه لبنان في المحافل الدولية ، يوم فوَّضتِ الدولُ العربيةُ إلى الرئيس اللبناني سليمان فرنجية أن يمثلها في الأممم المتحدة ، دفاعاً عن القضية الفلسطينية في 14 تشرين الثاني 1974 .

وفي اعتقادي أن الذين أوصلوا لبنان إلى هذا القدر من الإنحطاط الذليل ، يعرفون أنفسَهُمْ ويعرفون أيَّ جريمة ارتكبوا ، وأيَّ منقلبٍ سينقلبون .

الاخبار العاجلة