في الوقت الذي ينشغل فيه الإعلام العالمي بالملف النووي الإيراني، تتشكّل خلف الكواليس حرب أكثر عمقاً؛ حرب لتغيير النظام الحاكم في طهران، وتفكيك منظومة “ولاية الفقيه”، التي باتت بالنسبة لكثير من الدول، تهديداً يتجاوز التخصيب النووي ليطال بنية الإقليم بأكمله. وفي قلب هذه المواجهة، يبرز موقف بعض الدول العربية التي وإن لم تعلن صراحةً دعمها لتغيير النظام، إلا أن سياساتها الإقليمية تشير إلى إصطفاف واضح ضد التمدد الإيراني، لا سيما في سوريا، لبنان، اليمن والعراق. فبالنسبة لهذه الدول، الصراع ليس مع “إيران كدولة”، بل مع النظام القائم على تصدير الثورة، ودعم الميليشيات، وتهديد التوازن العربي.
السعودية والإمارات، على وجه الخصوص، أظهرتا مواقف حاسمة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال دعم قوى مضادة في اليمن والعراق، والتصدي لمحاولات طهران فرض أمر واقع عبر وكلائها في المنطقة. أما البحرين، فقد أختبرت التهديد الإيراني داخلياً، وتتعامل مع الخطر بجدية أمنية قصوى. في المقابل، تتخذ دول أخرى كقطر وعُمان مواقف أكثر حيادية، معتبرة أن الإستقرار الإقليمي يمرّ بالحوار لا بالمواجهة المباشرة، بينما العراق ولبنان يعيشان نوعاً من الإنقسام الداخلي، نتيجة تغلغل النفوذ الإيراني في مؤسساتهما السياسية والأمنية.
إن الدول العربية رغم تباين أدواتها، تشترك في قناعة واحدة،؛ أن إيران خامنئي لا يمكنها أن تكون جارة طبيعية ما دامت العقيدة الثورية تُدار من قم، والنفوذ الإقليمي يُصاغ من الحرس الثوري، لا من صناديق الاقتراع. وفي النهاية لجهة الدول العظمة هو الحرب على إيران ليست نووية، بل (سياسية/فكرية/أمنية). وإذا ما أراد العرب إستعادة التوازن، فإن المعركة لن تُحسم فقط في فيينا أو نيويورك او غيرهما، بل في العقول والوعي والسيادة. والأيام القادمة كفيلة لكشف ما يدور ويحاك في مطابخ الدول العظمة لمنطقة الشرق الأوسط.
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.