>> التهرب من سداد 135 مليون جنيه يفتح الملف الضريبي لأصحاب “بلبن”.. والبحث عن كيفية التشغيل والإيرادات
>> السلسلة الشهيرة في اختبار أمام الرأي العام والحكومة
>> هل سيفصح أصحاب العلامات التجارية عن تفاصيل تجربتهم الرائدة للاستثمار في عالم صناعة الحلويات والأغذية؟
بعد تمهيد الطريق بفضل تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لحل أزمة سلسلة محلات بلبن الشهيرة في صناعة حلوى الألبان لعودة تشغيل مصانع ومحلات السلسلة مرة أخرى، مع توفيق أوضاعها الفنية والإدارية والصحية، وقد بدأت الأزمة تنفرج، واستغلت السلسلة الشهيرة تدخل الرئيس السيسي واعتبرته صك اعتراف بجودة منتجاتهم، وبمجرد الإشارة إلى السماح بعودة تشغيل المصانع والمحلات، نشرت سلسلة بلبن بيانا على الصفحة الخاصة بهم على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يشكرون فيه الرئيس السيسي على تدخله وتوجيهاته لحل الأزمة.
وفي الحقيقة، بعد أن تحولت أزمة غلق محلات “بلبن” إلى قضية رأي عام، وتدخل الرئيس شخصيا، فكانت بمثابة حملة إعلانية كبرى دون تحمل السلسلة فيها جنيها واحدا. كان الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة قد أدلى بتصريحات تليفزيونية عن أزمة محلات “بلبن” التي أشاد بجودة ونظافة منتجاتها، داعيا إلى فتح المحلات مرة أخرى ومستهجنا غلقها، متعللا بأن المحلات تمارس عملها في مختلف فروعها في الوطن العربي، ولا يصح أن يتم غلقها داخل الوطن الأم لها، طالما مطابقة للمواصفات والاشتراطات المطلوبة.
وفي تصريحات كامل الوزير، أفاد بأن الرئيس كان متابعا للأزمة باستمرار، قائلا: “كل شوية كان الرئيس بيتصل.. عملتوا إيه في موضوع بـ لبن؟”.
وبالطبع استغلت الشركة تصريحات “الوزير” وكتبت على صفحتها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “إن جملة الرئيس كل شوية يتصل كفيلة تخلينا نموت نفسنا في الشغل.. لما تسمعها من الفريق كامل الوزير بنفسه، تخيل شعورك”.
وكتبت أيضا: “لما تعرف إن رئيس الجمهورية بنفسه مهتم بتفاصيل مشكلتك!، عارف اسمك.. وعايز يشوفك واقف على رجلك تاني!، ده مش بس دعم.. دي أكبر رسالة ممكن توصل لأي حد بيكافح.. إنك مش لوحدك. تحس إنك إنسان الدولة مهتمة بيه، وبتدافع عنه، وبتقف معاه علشان يقوم.
واعتبرت السلسلة، بحسب بيانها، أن كلام الفريق كامل الوزير يعد شهادة لهم، وهي شهادة فوق رؤوسهم، وفي نهاية بيان السلسلة، وجهوا الشكر إلى الرئيس السيسي والفريق كامل الوزير، معبرين عن امتنانهم لهذا الدعم الكبير الذي جعلهم يعيدوا الوقوف على أرجلهم مرة أخرى.
إلى هنا، وتبدو الأمور طبيعية جدا في أزمة لواحدة من السلاسل التجارية الكبيرة في مجال الحلويات التي تعتمد على اللبن ومشتقاته في صناعة منتجاتهم، ووصل تصعيد الأزمة إلى تدخل رئيس الجمهورية بشخصه، والذي أمر بضرورة الحل ومنح السلسلة مهلة لتوفيق أوضاعهم مع الاشتراطات المطلوبة.
لا شك أن تدخل الرئيس في حل أزمة “بلبن”، أعطاها زخما واهتماما لدى الرأي العام والمتابعين للأزمة منذ بدايتها، وانتظارهم إلى ما ستؤول إليه الأمور، وبقدر ما في الأزمة من أضرار يمكن أن تلاحق سلسلة “بلبن” بعد عودة التشغيل تتمثل في عدم ثقة المستهلكين لمنتجاتهم، إلا أن تدخل الرئيس منحهم بالفعل “قبلة الحياة”، كما يعد هذا التدخل بمثابة حملة إعلانية للسلسلة لم يصل خيالهم لتنفيذها يوما ما.
ولكن، هل انتهت الأزمة تماما بعودة تشغيل مصانع ومحلات “بلبن”، وكأن شيئا لم يكن؟
وهل ستنهي الجهات الحكومية المعنية بإصدار تراخيص السلامة الغذائية، والأمن الصناعي، والمحليات، والدفاع المدني، من منح “بلبن” كافة التراخيص اللازمة وفق الاشتراطات والمواصفات القياسية الموضوعة؟
إذا كان ماسبق من الممكن الانتهاء منه في عدة أسابيع أو أشهر قليلة، حتى تصبح المصانع ومحلات البيع قد تم توفيق أوضاعها، فماذا عن الأسئلة الشائكة والحائرة التي ما زالت تدور حول نشاط “بلبن” والعلامات التجارية الأخرى التي يملكها نفس صاحب سلسلة “بلبن” وهي “كنافة وبسبوسة”، و”وهمي”، و”كرم الشام”، و”بهيج للأسماك”، و”عم شلتت”؟
بعيدا عن المشكلات الفنية والإدارية المتعلقة بسلامة المنتجات أو التراخيص اللازمة، فكل تلك المخالفات تتساوى فيها الأنشطة الصغيرة والكبيرة.
ولكن في حالة “بلبن” ما زالت الأسئلة تدور في أذهان الرأي العام “باندهاش” عن كيفية صعود هذه السلسلة بهذه السرعة الفائقة – فقد بدأت نشاطها ممنذ 4 سنوات فقط – وتفوقها على شركات وعلامات تجارية شهيرة في نفس المجال منذ سنوات طويلة، على الرغم من أذواق وجودة منتجات “بلبن” لم يجمع عليها أصحاب الأذواق المنضبطة والمتفهمة لأنواع الغذاء الصحي.
إن العلامات التجارية القديمة العاملة في نفس مجال محلات “بلبن” وشقيقاتها، ذات السمعة الكبيرة في السوق المصري، لم تصل إلى حجم “بلبن” في عدد الفروع وحجم الأعمال والتمويل، بما يطرح السؤال الملح والتعجبي: من أين وكيف؟!
وما يزيد في الاندهاش هو حداثة سن صاحب السلسلة الطبيب البيطري مؤمن عادل الذي لم يتجاوز عمره الأربعين عاما.. فما الحكاية وما ورائها في هذا النشاط الهائل لهذا الشاب الصغير؟!
الأكثر غرابة في الأمر، ما تكشف خلال الأيام الأخيرة عن وجود حالة تهرب ضريبي لسلسلة محلات “بلبن”، حيث أفادت مصادر في مصلحة الضرائب المصرية عن وجود مستحقات ضريبية بقيمة 135 مليون جنيه، وقد سددت السلسلة مبلغ 140 مليون جنيها تحت حساب الضريبة؛ لحين الانتهاء من فحص الملف الضريبي وبحث الإقرارات الضريبية المقدمة من أصحاب السلسلة، وأن أصحاب السلسلة مستمرون في سداد الفروق الضريبية المستحقة لخزينة الدولة.
إن ثبوت حالة التهرب الضريبي من قِبل سلسلة “بلبن” تفتح بدورها أسئلة أخرى عن مدى التزام تلك المحلات بسداد مستحقات الدولة من ضرائب ورسوم مستحقة عليها بشكل دوري من خلال عمليات البيع والتعامل مع المستهلك على مدار الساعة.
وإذا كان التهرب الضريبي الذي تم ضبطه بلغت قيمته 135 مليون جنيه، فما كامل قيمة الضريبة المستحقة على سلسلة “بلبن” من بداية نشاطه منذ 4 سنوات؟
كل هذه الأسئلة تنسحب بالطبع على بقية العلامات التجارية التي تتبع “بلبن”، وهي: “وهمي”، و”كرم الشام”، و”بهيج للأسماك”، و”كنافة وبسبوسة”، و”عم شلتت”.
إن التعامل اليومي بحصيلة عشرات الملايين من الجنيهات من خلال سلاسل العلامات التجارية التي يمتلكها الطبيب البيطري مؤمن عادل، والعاملة داخل مصر والتي وصلت إلى حوالي 110 فرعا، علاوة على عشرات الفروع في الدول العربية، تفتح ملف البحث عن هوية تلك السلاسل وأصحابها، ومن أين وفروا هذه الأموال الهائلة لإقامة تلك المشروعات ذات العائد السريع؟
فكيف لطبيب بيطري يترك مجال عمله بعد عدة سنوات من تخرجه وتأدية الخدمة العسكرية، ومعه شريك أو شريكين أن يتجهوا للاستثمار في مجال الحلويات والصناعات الغذائية، حاصدين تلك الثروة الهائلة في هذا الوقت القياسي، ويتوسعون بهذا الشكل الآخذ في الصعود؟!
طالما أن توفير المال اللازم لبداية مشروع مثل “بلبن” وشقيقاتها وتدويره بهذه الصورة التي تجني مئات الملايين من الجنيهات، ودخوله وخروجه في عمليات التشغيل والإنتاج ودورات النفقات والإيرادات من خلال القنوات الشرعية السليمة.. فلماذا لم يفصح لنا أصحاب السلسلة عن هذه التجربة الفريدة، ولتكون نموذجا عمليا وعلميا يدرس في الكليات والأكاديميات الاقتصادية للاستفادة منها وليستفيد منها الشباب ورواد الأعمال في نفس المجال والمجالات المختلفة؟
إن عودة تشغيل مصانع ومحلات “بلبن” وبقية العلامات التجارية التابعة لها لا يعني أن الأزمة انتهت، وكأنها ذوبعة في فنجان، وأن الأمور تمت تسويتها نهائيا. إن السلاسل الشهيرة في عالم صناعة الحلويات والأغذية ستبقى في اختبار دائم أمام أعين الحكومة والرأي العام لحين التأكد من سلامة وصحة إجرائتها الإدارية والفنية، وكذلك سبل جمع هذه الثروة المهولة.