لم يعد مستغرباً أن نسمع عن خطوات عربية متسارعة نحو “سلام” مع العدو الإسرائيلي، ولكن الصدمة تتضاعف حين تأتي هذه الخطوات من محور طالما قدّم نفسه بعباءة “الممانعة” ورفع شعارات “المقاومة والتحرير”.
إن ما تم تداوله عن إقتراب توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع الملقب “بالجولاني” إتفاق سلام مع الكيان “الإسرائيلي”، ليس فقط حدثاً سياسياً مفصلياً، بل هو سقوط مدوٍّ أخلاقي وإستراتيجي، يكشف زيف الشعارات ويفضح هشاشة المواقف حين توضع تحت المجهر الأمريكي.
في المضمون، لم يعد الحديث عن “سلام” مع العدو سوى ذريعة جديدة لتسويق الإستسلام، بعدما تم تطويع الأنظمة، وأُنهكت الشعوب بالحروب والحصار والجوع، حتى صار مجرد التنفس بحاجة إلى “موافقة دولية”.
وما يُقال عن “ضغوط على لبنان للحاق بسوريا”، إنما هو تذكير قبيح بأن الأوطان الصغيرة تُؤخذ رهائن في بورصة التسويات الكبرى، حيث لا مكان للكرامة، ولا وزن للتاريخ، ولا إعتبار لدماء الشهداء… إن وصف الإتفاق بـ”المحسوم”، وتحويل مسألة التوقيع إلى قضية وقت، يعني ببساطة أن القرار ليس بيد الشعوب ولا حتى الحكومات، بل هو صادر من غرف القرار الأمريكية، وما على اللاعبين المحليين سوى تقمّص الأدوار المرسومة لهم بإتقان. فأين السيادة إذاً؟ وأين المبادئ التي تُمتهن يوماً بعد آخر تحت عنوان “الواقعية السياسية”؟.
ما يحصل ليس سلاماً، بل خضوع مذلّ، وتصفية نهائية لقضية فلسطين، وتحويل محور “المقاومة” إلى مجرد كيان هش فاقد للمعنىٰ. إنه تخلٍّ عن كل ما ادّعي أنه ثوابت.
أما لبنان، فكل محاولة لجرّه إلى حظيرة هذا المشروع الأميركي الصهيوني لن تكون سوى خطوة أخرى في مسار ضرب هويته ومصادرة إرادته الوطنية. في الختام، لا قيمة لإتفاق يُفرض بالإكراه، ولا شرعية لسلام يُبنى على جثث الشعوب وعلى أنقاض القيم.
وسيسجل التاريخ، لا توقيع إتفاقات، بل من باع ومن صمد، من رفع راية الذل، ومن فضّل الخبز بالكرامة على الوليمة تحت بساطير العدو… وللأسف، المشكل الأكبر هو الأنظمة العربية وقيادتها.
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.