ماذا يحدث في إيران؟ وماذا يحدث لإيران؟.. سؤالان دائمان حاضران على طاولة الأخبار السياسية وفي كواليس صنع القرار الإقليمي والدولي على مدار الساعة.
وعن السؤال الأول، فما يحدث في إيران هو السعي الدائم والدؤوب لتحقيق الحلم القديم لاستعادة مجد الإمبراطورية الفارسية، التي ناطحت الامبراطوريتين الإغريقية والإنجليزية في وقت تمكنت فيه أن تصبح هي الامبراطورية الثانية التي تحكم العالم.. واليوم يحاول الإيرانيون جاهدين استعادة الحلم، ولكن بأدوات العصر، باستخدام “الحرب بالوكالة” تارة، و”القوة الناعمة” تارة أخرى، مهما كلفهم الأمر من أموال طائلة ولو كان على حساب الشعب واقتصادياته.
فكل النظام الإيراني (محافظين وإصلاحيين) وكل من تقلد العمامة (سوداء أو بيضاء) على قلب رجل واحد، وعلى عقيدة واحدة، في المضي قدما لتحقيق هذا المشروع، كل من زاويته، فرجال الدين ورجال السياسة يعملون طوعا وكرها من أجل إمبراطوريتهم المزعومة. وأما عن السؤال الثاني، فما يحدث لإيران هو محاولات حثيثة من القطب الأمريكي لزعزعة حلم آخر حديث يخدم الحلم القديم وهو البرنامج النووي الإيراني، والذي يمكنها من إنتاج القنبلة النووية بعد عدة سنوات.
فمنذ اللحظة الأولى لمجئ دونالد ترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية، وقد نفذ وعدا انتخابيا بارزا في برنامجه، وهو عدم المصادقة على الاتفاق النووي الشهير الذي وقعته إيران مع الدول العظمى في صيف عام 2015 برعاية أممية وأوروبية، وقد شهدت الأسابيع الأخيرة سجالا حادا بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني، وصل لحد السب والشتائم والاتهام بالجهل أحيانا من قبل “روحاني” لنظيره “ترامب”.
فقد قلب قرار “ترامب” العالم أجمع بإعلانه قرار عدم مصادقته على الاتفاقية، في الوقت الذي تمالكت في إيران أعصابها وظلت مكانها، وكأنها على يقين بأن قرارات “ترامب” لا تعدو كونها “فرقعات إعلامية” وأنه لا يمتلك القدرة على تنفيذ ذلك ومصيره مصير القرارات التي أعلنها وتراجع عنها فيما بعد.
ليس هذا فحسب، فكانت المفاجأة في وقوف الدول الأوروبية وروسيا بجانب إيران (ليس حبا فيها) ولكن لمصالحهم التي جنوها من وراء الاتفاق النووي مع إيران، حيث فتحت لهم إيران أسواقها للتجارة والإنتاج، فأصبحت شركاتهم مهددة في حال الانضمام إلى صف “ترامب”. وهنا نلحظ أن إيران لم تطلب من أحد الدفاع عنها، بل سارعت معظم الدول الأوروبية في اليوم التالي لتصريحات “ترامب” لتقوم هي بالدفاع عن إيران.
وهنا سؤال آخر، من يحمي “عمائم طهران”؟
إن نظام الولي الفقيه ظل لسنوات طويلة موسوما بالفاشية الدينية، وأنه نظام كهنوتي لا يقبل بالخروج عن صفه أبدا، ومن أراد فجزاءه الموت، ولا يسمح المقام هنا لسرد وقائع مثل هذه الحوادث.. كما عرف عنه دعمه للحركات والميليشيات المسلحة في جوارها من دول العالم العربي، ومحاولتها زعزعة استقرار الدول المحورية في المنطقة وعلى رأسها مصر والسعودية، بعد أن تمكنت من فرض نفوذها على لبنان وسوريا وصولا للعراق وأخيرا اليمن.
فلم تترك إيران فرصة سانحة أو نقطة ضعف إلا واستغلتها للدخول منها حتى تمكنت وفرضت نفوذها بكل أشكال القوة والنفوذ وهو ما حدث في لبنان في العام 1982 حين احتلت إسرائيل للبنان، حيث شجعت تشكيل مقاومة شعبية في لبنان، ومن بعدها تأسس “حزب الله” الذي يتزعمه حسن نصر الله، بشكل رسمي في عام 1985؛ ليصبح الحليف والوكيل الإيراني الأول في لبنان، ينفذ أجندة طهران برعاية مادية وعسكرية يعلمها الجميع، حتى تمكن “حزب الله” فيما بعد أن يكون أحد المؤثرين في القرار اللبناني، حيث يعد جبهة ممانعة قوية في لبنان يعمل ساسة لبنان ألف حساب وحساب لهذا الحزب وأمينه العام لدرجة السعي والتقرب من السيد “نصر الله”.
كما استغلت إيران انحسار وعجز مشروع القومية العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وتمكنت من تأسيس تحالف مع سوريا حتى كونا تحالفا للحد الذي وقفت فيه سوريا بجانب إيران في حربها مع العراق والتي استمرت ثماني سنوات.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين، أدركت إيران أن الأرض العراقية أصبحت “رخوة” ولن تتكرر الفرصة، وبالفعل ودون تردد دخلت إيران إلى العراق في ظل وجود تركيبة سياسية جديدة على الساحة العراقية، بفضل الغزو الأمريكي، فقد عاد كل معارضي الخارج والموالين لإيران، بل وساهم في الوجود الإيراني أمريكا نفسها التي نستطيع القول بأنها سلمت العراق إلى إيران “تسليم مفتاح”، منذ عام 2003، فكانت العراق محطة مهمة بل استراتيجية في توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، ولعل ما يؤكد هذا تصريحات سابقة لمستشار الرئيس الإيراني علي يونسي بأن “الإمبراطورية الإيرانية الآن عاصمتها بغداد”.
واستمرارا لتدخلها في شؤون دول المنطقة وفرض نفوذها تمكنت إيران من ضمان جماعة الحوثيين في اليمن، والذي تصاعد نفوذهم من العام 2014 وتمكنهم من الاستيلاء على العاصمة صنعاء واستلاءهم على مقاليد الأمور في البلاد، ما أوجب تدخل المملكة العربية السعودية التي قادت تحالفا عربيا لمحاربة “الحوثيين”، مازالت الحرب وتداعياتها مستمرة حتى أصبحت حرب اليمن أزمة يتم تداولها بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن “الذي كان سعيدا”.
إن إيران ونظامها “العمائمي” عرف من أين تؤكل الكتف، بفضل العقلية التفاوضية والمهارات التي لا يجاريهم فيها أحد، حيث ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد. لقد حافظت إيران على برنامجها النووي بعد الاتفاق الشهير، وحتى يعلم الجميع فالاتفاق لن يمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية، بل يؤخرها بعض السنوات، أي أنها يوما ستكون عضوا في النادي النووي.
كما أنها عادت إلى المجتمع الدولي لتشارك في مختلف المحافل وقد مكنها ذلك من عقد شراكات اقتصادية مع أصدقاءها الأوروبيين.
ومن أهم ما جنته إيران هو الإفراج عن جزء من أموالها المجمدة في أمريكا، والتي أنفقتها في تعزيز قدرتها العسكرية، كما أنها أفقت جزءا كبيرا من الأموال المفرج عنها لدعم التنظيمات والميليشيات التابعة لها لها في المنطقة وأبرزهم “حزب الله” اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن.
على الجميع أن يدرك أن إيران تستمد قوتها من قلقها وشعورها بالخطر الدائم الذي يمكن أن يجهز عليها في أي لحظة؛ ولذلك فقد ثبتت قواعدها بمن يحمي نظامها “الكهنوتي” سواء في دول الجوار العربي، أو حتى المدافعين “الجدد” من الأصدقاء الأوروبيين، ومن هنا وجدت عمامة “الولي الفقيه من يحميها إقليميا وخارجيا.