تسعى مدينة شرم الشيخ السياحية، الواقعة شمال شرق العاصمة المصرية القاهرة، إلى الخروج من كبوتها بسبب انخفاض معادلات الإشغال السياحي نتيجة للظروف الأمينة بسيناء وغياب السياحة الروسية، من خلال اعتمادها بصفة أساسية على السياحة الوافدة إليها عن طريق تنظيم المؤتمرات والفعاليات السياسية والاقتصادية والترويجية المختلفة، وهو ما انعكس على أرقام هذا النوع المتخصص من السياحة، والذي سجل نموا بلغ 56 بالمئة العام الماضي.
ونجحت شرم الشيخ على مدار الأشهر الماضية في تنظيم العديد من الفعاليات الدولية التي هدفت من خلالها إلى توصيل رسائل عدة لسوق السياحة العالمية بعد مرور عامين على حادث سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015، مفادها الزخم الذي حققته المدينة السياحية من خلال حضور العديد من زعماء الدول العربية والأفريقية والذي أراد التأكيد على التأمين الجيّد الذي تتمتع به المدينة.
كما أن حضور العديد من الوفود الدولية من مختلف بلدان العالم، خلال الأشهر الماضية، يعدّ ترويجيا لهذا النوع من السياحية الذي تتطلع إليه المدينة في المستقبل بعد أن تميّزت به على مدار العشر سنوات التي سبقت اندلاع ثورة يناير في العام 2011.
واستضافت المدينة السياحية المصرية، في شهر نوفمبر الماضي، أكثر من ثلاثة آلاف شاب يمثلون 86 دولة على مستوى العالم خلال منتدى الشباب العالمي، وحضره أربعة رؤساء دول أفريقية وعربية، فيما استضافت المدينة في السابع من ديسمبر الماضي مؤتمر الاستثمار والأعمال في أفريقيا والعالم، والذي شهد حضور رؤساء 6 دول أفريقية و500 شركة أفريقية ودولية تعمل في مجالات الاستثمارات المختلفة، وهو ما أعطى زخما إعلاميا دوليا للمدينة.
وبحسب تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية، تستغل شرم الشيخ فرصة تواجد وفود إعلامية دولية لتغطية تلك الفعاليات في ظهورها بشكل تستطيع من خلاله تحسين صورتها الذهنية في الخارج، وهو ما يساعدها على الترويج للمنتجعات السياحية التي تتميز بها. كما ساعدها ذلك في الترويج لأنواع أخرى من السياحة تتمتع بها أيضا مثل سياحة الغوص والسفاري، وهو ما ظهر من خلال حرصها على تنظيم رحلات سياحية يومية لجميع الوفود التي أتت إليها بغرض حضور تلك الفعاليات.
بحسب العديد من خبراء السياحة، فإن إقامة المؤتمرات والفعاليات الدولية تحقق عوائد مادية توازي ثمانية أضعاف السياحة العادية. ووفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهاز حكومي)، فإن مصر استطاعت أن تجذب 25 بالمئة من السياحة الوافدة إليها عن طريق تنظيم تلك المؤتمرات على مدار العام الجاري.
وتستقطب سياحة المؤتمرات أكثر من 400 مليون زائر حول العالم سنويا، وتحرّك قطاعات واسعة في مجال السياحة والفندقة والصناعة وتجارة التجزئة والمواصلات، وهو أمر لم تستغله جيّدا البلدان العربية التي تحقق سنويا عوائد تبلغ 2 مليار دولار، في حين أنها تمثل 30 بالمئة من الناتج المحلي للولايات المتحدة الأميركية وتدخل لخزينة الدولة نحو 250 مليار دولار سنويا كعوائد من هذا القطاع، وفقا لإحصائيات دولية.
وأدركت بعض الدول العربية أهمية هذا النوع من السياحة وعملت على تطويره من خلال إقامة مراكز دولية لإقامة المعارض والمؤتمرات واستقطاب فعاليات دولية رافدة، وهو ما حققته مدينة دبي الإماراتية، والتي تشهد نهضة اقتصادية وصناعية واجتماعية كبيرة، جعلتها قبلة لتنظيم العديد من الفعاليات الدولية.
وتتميز سياحة المؤتمرات بأنها تساهم في تنمية وتطوير فرص الاستثمار بين الدول بشكل عام، لأنها دائما تشهد تبادلا في الزيارات بين الجهات المنظمة لها، كما أنها تعد إحدى وسائل تدعيم الاقتصاد المحلي من خلال استضافتها لشخصيات اقتصادية دولية قد تجد فرصة للاستثمار داخل البلدان المستضيفة لها، وبالتالي فإن العائد لا يكون في مجال السياحة فقط.
وبحسب خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، والتي تعد مدينة شرم الشيخ إحدى مدنها الكبرى، تعمل الدولة المصرية وفق خطة تهدف إلى جعل شرم الشيخ مدينة المؤتمرات الأولى على مستوى العالم، وأضحت في الوقت الحالي ضمن المراكز الدولية الكبرى للمؤتمرات، وهدفا للمنظمات الدولية والإقليمية لإقامة فعاليات بها.
وأوضح فودة أن عوائد سياحة المؤتمرات تحقق أكثر من هدف في آن واحد، فمن خلالها تقدم مصر صورة حقيقة للخارج عنها من حيث مستوى الأمان والاستقرار وجمال المناظر الطبيعية والسياحية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار فيها، وهو ما انعكس على أعداد الرحلات السياحية الوافدة إلى المدينة بعد أن وصلت إلى 100 رحلة أسبوعيا، ومن المتوقع أن تصل ذروتها اعتبارا من بداية العام الجديد.
وبدا واضحا أن مدينة شرم الشيخ تستعد للترويج لنفسها من خلال سياحة المؤتمرات، بعد أن بدأت في تشييد أكبر قاعة مؤتمرات على مستوى العالم تصل درجة استيعابها إلى أكثر من 6 آلاف شخص وبها 5 قاعات مزودة بأحدث وسائل الأجهزة التكنولوجية العالمية، وهو ما روّجت له من خلال زيادة حركة السياحة الوافدة إليها بالتزامن مع احتفالات رأس السنة الميلادية.
وقال باسم حلقة، رئيس المجلس التأسيسي لنقابة السياحيين، إن مصر أصبحت لديها أجندة سياحية خاصة بالمؤتمرات التي تستضيفها سنويا، وأن ذلك لا يشمل مدينة شرم الشيخ فقط وإنما يتضمن جميع المدن السياحية، لافتا إلى أن توزيع تلك المؤتمرات على مدار السنة يضمن استمرار وصول وفود أجنبية من بلدان مختلفة في توقيتات مختلفة.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن سياحة المؤتمرات تضمن زيادة نسب إشغالات الفنادق، إذا ارتبطت بحدث دولي تشارك فيه وفود أجنبية مختلفة، كما أنها لا ترتبط بمواسم معنية، وبالتالي فإن النجاح في تحقيق صورة ذهنية تدعمها يضمن بشكل أساسي زيادة نسب السياحة الوافدة إلى تلك المدن، مشيرا إلى أن الهدف المصري في البداية كان بإعادة وضع مدينة شرم الشيخ على خارطة سياحة المؤتمرات مرة أخرى على مستوى العالم، وهو ما نجحت فيه بالفعل وتحقق ذلك بإرادة سياسية وظفت المدينة لإقامة العديد من الفعاليات الرئاسية لإعادة الزخم إليها مرة أخرى.
تعد مدينة شرم الشيخ من أهم المدن السياحية المهيأة لاستقبال سياحة المؤتمرات، حيث يتمتع مطارها الدولي بدرجة تأمين عالية بشهادات دولية معتمدة راجعت خطط التأمين عقب حادث الطائرة الروسية، كما أنها منطقة تتميز بوجود أماكن ترفيهية سياحية متنوعة من الممكن أن تجذب العديد من الجهات الدولية إليها.
وتوجد بالمدينة أكبر قاعات المؤتمرات مجهزة لاستقبال الإعلاميين وقاعات للترجمة الفورية لمختلف لغات العالم، علاوة على عدد كبير من فنادقها ومنتجعاتها السياحة التي تحوي قاعات مخصصة لإقامة المهرجانات والفعاليات المختلفة، فقد تم استحداث مهرجان الجونة السينمائي الدولي، خلال العام الماضي، لجذب السياحة إلى تلك البقعة السياحية، كما أن شرم الشيخ استضافت لأول مرة مهرجان السينما العربية والأوروبية والذي انتقل لأول مرة إليها للهدف ذاته.
ونظمت مصر فعاليات أخرى داخل بقع سياحية عدة داخلها منها مهرجان الأغنية الدولي الثالث، المهرجان الدولي لصيد الأسماك، والمهرجان الدولي الأول للفروسية، وبطولة الأهرام الدولية للإسكواش.
وقال زين الشيخ، مستشار مصر السياحي باليابان سابقا، تتوافر بمصر جميع المقومات السياحية التي تجعلها جاذبة للمؤتمرات، لكنها غير مستغلة بالشكل الأمثل إلى حد الآن، لقلة التنسيق بين الوزارات المختلفة، كما أن قاعات استضافة تلك الفعاليات مازالت غير مجهزة بالشكل الذي يضمن جذب السياحة إليها، موضحا أن الصورة الذهنية المشوشة عن الأوضاع داخل مصر وعدم وجود خارطة تسويقية خارجية سليمة يؤثران سلبا على نوعية المؤتمرات التي قد تنجذب إلى الإمكانيات المصرية في هذا المجال.
وتعمل وزارة السياحية حاليا على جذب هذا النوع السياحة من خلال أمرين، الأول يرتبط بتخفيض المقابل المادي للاستضافة هذه المؤتمرات مقارنة بالدول الأخرى، فيما يركز الثاني على جذب المؤتمرات التي لها علاقة بالسياحة، وهو ما يضمن لها ترويجا خارجيا على أرض الواقع.