استراتيجية ترامب في إفريقيا: تقويض القوة الصينية واستمرارية السياسات القديمة

آخر تحديث : الأربعاء 23 يناير 2019 - 6:56 صباحًا
استراتيجية ترامب في إفريقيا: تقويض القوة الصينية واستمرارية السياسات القديمة
حكيم نجم الدين:

مع نجاح الصين في المجالات التي فشل فيها الغرب بإفريقيا، حيث إن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها للقارة تساعد في بناء أطر التنمية الاقتصادية وبرامج البنى التحتية الخاصة بهذه الدول، تأتي سياسة ترامب للوقوف في وجه النفوذ الصيني في إفريقيا وهو ما يحاول هذا التقرير تبيانه.

تشهد قارة إفريقيا موجة جديدة من التدافع من قبل دول غير إفريقية، على أمل استغلال موارد القارة وتسخير المقاعد والأصوات الإفريقية لمصالحها على الصعيد العالمي. وتميز نمطي التدافع القديم والجديد كثرةُ الدول ذات الاهتمام بالموارد الإفريقية وآليات التأكد من إمكانية تأسيس شراكات استراتيجية تتيح لهم الوصول الدائم إلى تلك الموارد(1).

وترأس كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية هذا التدافع المعاصر في ظل الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية والنزاع التجاري نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الصين.

وقد مرَّت العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإفريقيا بمراحل عديدة تنحصر في: فترة الحرب الباردة؛ والفترة الانتقالية (من 1990 إلى 1998) عندما سعت الولايات المتحدة إلى صياغة أهداف واستراتيجيات واضحة لسياستها في إفريقيا؛ وفترة ما بعد 1998 حيث تذبذبت العلاقات الأميركية-الإفريقية بين الإهمال والاستعمال من جانب الولايات المتحدة بدعوى تعزيز الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية من خلال الوكالات التنموية والمؤسسات المالية الدولية(2).

أما الصين؛ فهي تواصل توسيع دائرة نفوذها في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية ذات المواقع الاستراتيجية والثقل الاقتصادي، وتعزز وجودها في جميع أنحاء إفريقيا بمختلف أنواع القروض بمزاعم دعم الدول الإفريقية في مجال التنمية والسعي وراء التفوق على الولايات المتحدة من حيث الهيمنة والقوة(3)، وهي خطوة تصفها الولايات المتحدة بـ “الممارسات المفترسة”(4).

وقد أعطى مسار الزيارة الرسمية الأولى والأخيرة التي أداها “ريكس تيلرسون” وزير الخارجية الأميركي السابق إلى إفريقيا جنوب الصحراء، في شهر مارس /آذار 2018، وتصريحات الرئيس “دونالد ترامب”، فكرةً عما ستكون عليه سياسة الولايات المتحدة تجاه القارة في ظل إدارة “ترامب”، وأنها ستميل إلى الأمن(5) ومكافحة النفوذ الصيني في إفريقيا. وهذا ما ورد بالفعل في الاستراتيجية التي أعلنتها واشنطن مؤخرًا(6).

ملامح السياسة الأميركية في إفريقيا

في مقاله لمجلة ” فورين أفيرز”، عام 1962، أشار “روبرت إيمرسون” أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية(7) إلى أن سياسات الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء تختلف عن سياساتها في أية منطقة أخرى من العالم؛ فالسياسة الأميركية تعمل في إطار الصداقات والتفاهمات القديمة التي أعقبت سنوات الحرب من خلال شبكة من التحالفات؛ ما سهَّل عملية نشر القواعد العسكرية الأميركية حول العالم بينما لا توجد للولايات المتحدة أي تحالفات أو اتفاقيات عندما يتعلق الأمر بإفريقيا؛ فهي غير ملزمة بأي مواقف أو تقاليد ومصالح راسخة؛ ما جعلها تتمتع بحرية فريدة في وضع سياسات محددة لمواجهة القضايا التي تقدمها الدبلوماسية الأميركية(8)، وكأن الدبلوماسية الأميركية قارة افتراضية أخرى.

وإذ أخفقت الولايات المتحدة مرارًا في صياغة أهداف واستراتيجيات واضحة تجاه إفريقيا لعدم وجود أعداء معينين تستهدفهم داخل القارة، ما صعب عملية ربط القضايا الإفريقية بالمصالح الأميركية لدى صانعي السياسة في الولايات المتحدة؛ إلا أن علاقات الولايات المتحدة مع إفريقيا قبل عام 2000 لم تتجاوز الاهتمام بالروح المعادية للشيوعية وتعزيزها والحفاظ عليها بين النخب الإفريقية خلال حقبة الحرب الباردة، وتكوين الصداقة مع أية حكومة أو حركات متمردة دعمتها في حربها ضد السوفيت، إضافة إلى تقديم قروض مالية مقيدة ومساعدات إنسانية للدول المؤهَّلة وفق شروطها وأهدافها(9).

وفضَّل بعض الكتَّاب وصف سياسة الولايات المتحدة في إفريقيا في ظل إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما” بـ”الاستباقية”؛ حيث تحدثت إدارته بوضوح واهتمام عن الحفاظ على الحكومة الدستورية في بعض الدول الإفريقية، وأنشأت هيئات جديدة مع تعيين مبعوث رئاسي لبعض المناطق الإفريقية، وفرض عقوبات على زعماء “الجماعات الإرهابية”(10).

وتدعم الولايات المتحدة تجارتها مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بـ”قانون النمو والفرص في إفريقيا” “أغوا” (AGOA) الذي يهدف إلى إقامة علاقات تجارية قوية ويحدد اتفاقية تجارية تفضيلية بين الولايات المتحدة وبلدان مختارة في المنطقة. وقد وقَّع الكونغرس على هذا القانون، في 18 مايو/أيار 2000، ووافقت عليه إدارة “أوباما” في 25 يونيو/حزيران 2015 لمدة عشر سنوات، ما يعني أنه سيستمر حتى 30 سبتمبر/أيلول 2025(11).

ولم يسلم قانون “أغوا” أيضًا من انتقادات المفكرين الأفارقة؛ لأن منهم من ينظر إليه كأداة استعمارية صاغتها الولايات المتحدة لإخضاع الدول الإفريقية للحكم الإمبريالي الأميركي بدعم نشط من الطبقات الحاكمة في إفريقيا، وأنه يمنح الإدارة الأميركية سلطة وحرية اختيار الدولة الإفريقية التي ستفتح أمامها أبواب السوق الأميركية(12)، مع ضرورة استيفاء مجموعة من الشروط التي وضعتْها الولايات المتحدة والتي منها: احترام سيادة القانون، وتعزيز حقوق الإنسان وحقوق العمال، والتمسك بالمبادئ الديمقراطية والاقتصادية القائمة على السوق، بالإضافة إلى إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار الأميركيين(13).

وتفسِّر التدابير التي أطلقتها الولايات المتحدة في الفترة ما بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول عام 2018 حقيقة “أغوا” ونظرة الولايات المتحدة لإفريقيا؛ إذ علَّقت الولايات المتحدة الفوائد التجارية إلى رواندا بسبب رفض السلطات الرواندية استيراد الملابس المستعملة من الولايات المتحدة(14)، وذلك لأن استيرادها يقضي على تطوير صناعة النسيج الرواندية، ويحد من منافسة منتجاتها النسيجية في الأسواق الإفريقية والعالمية.

وعلى الرغم من “أغوا” ومختلف المحاولات والسياسات من الجانب الأميركي، ورغم ضخامة الاستثمار الأميركي في إفريقيا(15)؛ لا تزال علاقة الولايات المتحدة التجارية مع إفريقيا جنوب الصحراء في مستوى غير متطور، بل وتشهد انخفاضًا منذ عام 2011(16).

تنامي القوة الصينية وتراجع النفوذ الأميركي في إفريقيا

بدأت العلاقات بين الصين وإفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية عندما حاولت بكين تأكيد قيادتها في “العالم الثالث”، وذلك بعد مؤتمر آسيا-إفريقيا الأول في باندونغ الإندونيسية عام 1955 والذي حضرته وفود 29 دولة من إفريقيا وآسيا. ودخلت 44 من أصل 50 دولة إفريقية مستقلة في علاقات دبلوماسية مع الصين بحلول نهاية السبعينات من القرن الماضي(17).

ومع تطور هذه العلاقات، فقد وطدت الصين تواجدها الفعلي في القارة في عام 2001، بعد أن انتقلت العلاقات الصينية-الإفريقية إلى مرحلة الاستناد على جدول الأعمال الذي وضعه “منتدى التعاون الصيني-الإفريقي” المعروف اختصارًا بـ”فوكاك” (FOCAC) في عام 2000، والذي مهَّد الطريق أمام عملية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في السنوات التالية(18)؛ فتوسعت مساعي الصين في القارة سريعًا لتشمل الساحة الاقتصادية، مع التركيز على الموارد الطبيعية الغنية في إفريقيا لتغذية النمو الاقتصادي المحلي للصين(19).

وفي حين يتهم المسؤولون الأميركيون والعديد من الدول الغربية الصينَ في علاقاتها مع إفريقيا بأنها “تشجع التبعية وتستخدم صفقات فاسدة وتعرض موارد القارة الطبيعية للخطر”، وأنها تنصب فخًّا ستسقط فيه معظم الدول الإفريقية(20)، ولكن هذه العلاقات بالنسبة للصين طبيعية من أجل “مستقبل مشترك”.

ولا ننسى هنا تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابٍ ألقاه في قمة “فوكاك” الثانية عام 2015 بجوهانسبرغ بجنوب إفريقيا حين قال: “نحن في الصين، حكومة وشعبًا، نعرب عن ابتهاجنا العميق وفخرنا بإنجازات إفريقيا، ونتمنى بإخلاص للبلدان والشعوب الإفريقية إنجازات أكبر ومستقبل أكثر إشراقًا في متابعة التنمية والتقدم”(21).

وقد نجحت الصين نسبيًّا في المجالات التي فشلت فيها الدول الغربية؛ حيث إن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها للقارة تساعد العديد من بلدانها في بناء أطر التنمية الاقتصادية وبرامج البنى التحتية الخاصة بهذه الدول.

وكما قالت “أوكونجو إيويالا” وزيرة المالية النيجيرية السابقة (من 2011 إلى 2015): “خلال فترة وجودي كوزيرة للمالية في نيجيريا، تعاونت الصين معنا للحصول على حزمة متوازنة من المساعدات التي ساعدت في بناء نظام السكك الحديدية الكهربائية في أبوجا وأربع صالات جديدة للمطارات في لاغوس وبورت هاركورت وكانو وأبوجا، من بين مشاريع أخرى”(22).

ومهما تكن الآراء ووجهات النظر الغربية في استراتيجية الصين في إفريقيا، فإن غالبية المسؤولين داخل إفريقيا ينظرون إلى الصين كبديل وصديق يخصص لهم مكانة في سياساته ويمكن الوثوق به والاعتماد عليه في تحقيق تطلعاتهم التنموية، بينما لم تقدم الدول الغربية لإفريقيا إلا القليل للنهوض وتخطي آثار الاستعمار السلبية في القارة إلا بشروط “إخضاعية” و”نيو-كولونيالية”(23).

من جانب آخر، يرى الزعماء الأفارقة(24) في الصين نموذجًا ناجحًا لكيفية التطور السياسي والتقدم الاقتصادي والتنموي، حتى وإن كانت الاستراتيجية الصينية في إفريقيا ليست مثالية أيضًا؛ لأن الواردات الصينية تضر بنهوض قطاعات التصنيع المحلية، والصفقات الإفريقية مع الصين تحمل ظروفًا اقتصادية صارمة، بما فيها وجوب بناء المشاريع المتفق عليها بالعمالة والإمدادات الصينية، وغالبًا ما تُدَار هذه المشاريع مِن قِبَل الصين لعدة سنوات(25).

وتعد الديون الإفريقية ونسبة ارتفاعها أيضًا ظاهرة حقيقية مُقلقة أشارت إليها “أوكونجو إيويالا” بقولها: “هذه النسبة أعلى بكثير.. وعلى الرغم من أن الديون الصينية قد لا تكون هي المساهم الأكبر في هذا، إلا أن البلدان الإفريقية بحاجة إلى إيجاد توازن جيد بين القروض الميسرة والمنح والاستثمار الأجنبي المباشر، فرديًّا وجماعيًّا، لدعم تنميتها. والصين منفتحة على هذا”(26).

الخيارات الإفريقية في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة

لقد أوفى الرئيس الأميركي “ترامب”، في أوائل يوليو/تموز 2018، بعد شهور من التهديدات ضد الصين بسبب ممارساتها التجارية؛ فقامت إدارته بفرض رسوم جمركية بقيمة مليارات الدولارات على المنتجات الصينية. وردَّت الصين في المقابل بفرض تعريفات جمركية على السلع الأميركية بقيمة 110 مليارات دولار، مع التهديد بتدابير أخرى ستوثر على الشركات الأميركية العاملة في الصين(27).

وفي ظل توترات النزاع التجاري الراهن الذي قد يتحول إلى حرب تجارية شاملة لأن “ترامب” مصرٌّ على إعادة هيكلة علاقة بلاده التجارية مع الصين، بينما “شي جين بين” لا يرغب في التراجع عن موقفه؛ الأمر الذي يعني للدول البريئة من هذا النزاع شيئين: إما أن تستفيد من الوضع، أو تكون ضحايا حربٍ لا ناقة لها فيها ولاجمل. وجل هذه الدول البريئة من إفريقيا.

وتختلف آراء الاقتصاديين والخبراء الأفارقة حيال الخيارات المتاحة للبلدان الإفريقية حسب رؤيتهم للحرب التجارية وقوة علاقتهم مع الطرفين: ما بين من يرى فرصًا هائلة لدول إفريقية معينة للاستفادة من الوضع، ومن يرى أن المصدِّرين الصينيين قد يستغلون الاقتصاد المحلي لبعض الدول في القارة.

ويتوقع “فريد موهوموزا” الاقتصادي والأستاذ بجامعة ماكيريري في أوغندا، أن تصبح الصين “عدوانية” في البحث عن أسواق بديلة خارج الولايات المتحدة “هذا سيؤدي إلى قيام الصين بإغراق منتجاتها بأسعار زهيدة للغاية في السوق الأوغندية لمحاولة تعزيز ما فقدتْه في سوق الولايات المتحدة”، وهذا سيكون له “تأثير سلبي على منتجاتنا المحلية وقطاع الصناعات التحويلية لأننا قد لا نكون قادرين على الحمائية التجارية كالولايات المتحدة”(28).

وبالنسبة لـ “مودا يوسف”، المدير العام لغرفة التجارة والصناعة في لاغوس، فإن الأمر يتعلق بزاوية النظر للوضع. وإذا كان النظر إليه على أنه مجرد مواجهة بين أكبر اقتصادَين في العالم، فإن الحرب التجارية “ستؤثر على الاقتصاد العالمي سلبًا”، ولكنها أيضًا تمثل لنيجيريا فرصة إيجابية(29).

“وفي سياق قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا)، فإن هذا الوضع يقدم فرصًا جديدة أمام التصدير النيجيري إلى سوق الولايات المتحدة”؛ يقول يوسف، مضيفًا أنه لم يبقَ لنيجيريا سوى وضع نفسها في المكان المناسب للاستفادة من هذه الفجوة(30).

ويعضد موقف المحامي الإثيوبي “صامويل أليمو” ما ذهب إليه “موهوموزا” حول الحرب التجارية، حيث أشار إلى نتيجة سلبية أخرى قائلًا: “عندما تواجه السلع المصنعة في الصين التعريفات، فمن المرجح أن تنتهي بها الحال في السوق المحلية، وتحد من وتيرة النمو الاقتصادي المحلي وتقلِّل فرص التصدير للدول التي ترسل بضائعها إلى الصين”. وبالنظر إلى التحديات التي ينطوي عليها الأمر، “سيتعين على إثيوبيا بشكل خاص أن تكون مبدعة باستخدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين كميزة تجارية”(31).

أما “كارمن لينغ” المسؤول التنفيذي من “بنك ستاندرد تشارترد” ومقره في “هونغ كونغ”، فيرى أن الحرب التجارية تعطي البلدان الإفريقية فرص دخول السوق الصينية، ومن المرجح أن تزيد الصين وارداتها من الدول الإفريقية لأنها تبحث عن مصادر جديدة للسلع في أعقاب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. كما أن “أنماط تدفق التجارة ستتغير لأن الصين ستحتاج إلى البحث عن شركاء تجاريين جدد”(32).

استراتيجية “ترامب” لمواجهة الصين في إفريقيا

في الاستراتيجية التي طال انتظارها وكشفت عنها إدارة “ترامب” في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، أشار “جون بولتون”، مستشار الأمن القومي، إلى أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة تهدف إلى تحدي ممارسات الصين وروسيا الساعية وراء الحصول على “ميزة تنافسية” في إفريقيا، ومواصلة النهج الأميركي المتمثل في المبادرات العسكرية والتجارية وتقديم المعونة، وذلك لتطوير شراكات اقتصادية وسياسية وأمنية في جميع أنحاء القارة الإفريقية(33).

وبالتالي، تلتزم إدارة “ترامب” بشكل صريح بمتابعة البرامج التي تعزز مصالح الولايات المتحدة، وتؤكد على رغبتها في منافسة بكين وموسكو في مغامراتهما داخل إفريقيا.

ويمكن تلخيص هذه السياسة الجديدة بأنها ثلاثية الأجزاء(34)، وفق تصريحات “بولتون”، وذلك كما يلي:

أولًا: تطوير العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا لصالح الطرفين، الأميركي والإفريقي، ليزدهر الشركاء في إفريقيا ويسيطروا على مصائرهم. وهذا بخلاف الصين التي قال “بولتين”: إنها “تستخدم الرشاوى والاتفاقات الغامضة والاستخدام الاستراتيجي للديون لإبقاء الدول في إفريقيا أسيرة لرغبات ومطالب بكين”؛ فديون زامبيا ارتفعت إلى نسبة مخيفة، بينما رهنت جيبوتي الواقعة في منطقة استراتيجية بالقرن الإفريقي ميناء حاوياتها الخاصة لدى الصين.

ثانيًا: يجب لأية استراتيجية أميركية سليمة تجاه إفريقيا أن تعالج التهديد الخطير المتمثل فيما أسماه “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” والصراع العنيف، حيث تنشط “الجماعات الإرهابية” في القارة الإفريقية وتخطط لهجمات ضد المواطنين والأهداف الأميركية.

ثالثًا وأخيرًا: تحديد الأولويات في المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة، والتوقف عن دعم بعثات حفظ السلام الأممية غير الناجحة والبعثات التي لا تخضع للمساءلة، وذلك لضمان استخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين بفعالية وكفاءة. لكن هذه النقطة لا علاقة لها بإفريقيا؛ لأنها مشلكة المانحين والدول التي تتدخل بمساهماتها في الشؤون الداخلية لهذه البلدان.

لكن، ما واقعية هذه السياسة الجديدة وما نسبة نجاحها مقارنة باستراتيجية الصين في إفريقيا؟

من الواضح أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في إفريقيا نفوذًا واستراتيجية، وخاصة أن تطبيق بعض ما جاء في سياسة إدارة “ترامب” سيجعل الدول الإفريقية مضطرة إلى الميل لأحد الجانبين: الصين أو الولايات المتحدة.

وفي وجهة نظر “أولوسيغن أوباسانجو” الرئيس النيجيري السابق، فإنه “من غير المحتمل أن تهزم الولايات المتحدة الصين في لعبتها الإفريقية المتمثلة في توفير بنية تحتية منخفضة التكلفة مقابل الموارد والعقود. لا يقتصر الأمر فقط على ثقل أعداد السكان من جانب الصين، ولكن من المحتمل أن تؤدي شروط المساعدات إلى سباق إلى أسفل الحكم، وليس إلى القمة”(35).

خاتمة

يُستنتج مما سبق أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إفريقيا ليست جديدة في حقيقتها، بل هي استمرارية للسياسات الأميركية القديمة في إفريقيا مع كسائها بشعار “ترامب” المفضل: “أميركا أولًا”، وهي في واقعها قد تُدخل إفريقيا بشكل أكثر في الحروب التجارية الجارية والقادمة.

وليس في صالح إفريقيا أيضًا أن تبالغ دولها في اعتمادها على الصين؛ ما يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالتصنيع في القارة؛ لأن تخطي عقبات الحرب التجارية يتطلب من صانعي السياسات الإفريقية أن يضاعفوا جهود الإصلاح الاقتصادي، وتقليل الاتكال على المساعدات الأوروبية، وخلق بيئة استثمارية تتيح للبلدان الإفريقية أن تصبح جزءًا من سلسلة التوريد العالمية بشروطها الخاصة، وليست بشروط الآخرين الذين يحملون أجندات متضاربة قد لا تصب في مصالح القارة.

(*) حكيم نجم الدين: باحث نيجيري مختص بالقضايا التعليمية ومهتم بالشؤون الإفريقية.

رابط مختصر
2019-01-23
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر