معركة إدلب تختبر صمود تحالف المصالح بين “أنقرة” و”موسكو”

آخر تحديث : الخميس 13 فبراير 2020 - 7:59 مساءً
معركة إدلب تختبر صمود تحالف المصالح بين “أنقرة” و”موسكو”

اهتز تحالف المصالح بين روسيا وتركيا على وقع معركة ادلب وهي آخر معقل مهم للمعارضة السورية بشقيها المتطرف والمعتدل، وسط اتهامات متبادلة بين أنقرة وموسكو اللتين تقفان على طرفي نقيض من الحرب السورية، حيث تدعم الأولى فصائل معارضة معظمها متطرفة وتقيم نقاط مراقبة في شمال سوريا والثانية التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

ولم يصل التحالف بين الشريكين إلى حد الانهيار، لكنه يوشك على ذلك بالفعل إذا استمرت وتيرة التصعيد في ادلب على حالها وإذا حاصرت قوات الجيش السوري قوات تركيا والفصائل الموالية لها المنتشرة في المنطقة والتي تحتفظ بـ12 نقطة مراقبة في المحافظة القريبة من الحدود التركية.

وفي أحدث خلاف معلن دعت وزارة الخارجية الروسية الخميس تركيا للكف عن إصدار بيانات استفزازية حول الأحداث الجارية في سوريا وسط تصاعد حدة التوتر بشأن الأوضاع في محافظة إدلب.

وأضافت الوزارة أنها “تشعر بالارتباك” من التصريحات التي أدلى بها زعيم الحزب القومي شريك حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحكم والتي حاول فيها تحميل روسيا والحكومة السورية مسؤولية مقتل جنود أتراك في سوريا.

ولم يكن البيان الروسي هو الأول في خضم التطورات المتسارعة في ادلب بعد أن مكن الإسناد الروسي القوات السورية النظامية من انتزاع مكاسب ميدانية إستراتيجية تقرب في مجملها النظام السوري من استعادة السيطرة على آخر معقل للمعارضة.

وأربك تقدم الجيش السوري في المنطقة القوات التركية التي باتت في مرمى نيران القوات السورية وحلفائها من الميليشيات الشيعية وبينهم حزب الله اللبناني.

تركيا دفعت بتعزيزات عسكرية اضافية مع سيطرة الجيش السوري على مواقع استراتيجية في آخر معقل للمعارضة السورية

وتشكل معركة ادلب اختبارا لمدى صمود تحالف المصالح الذي سرّع في السنوات الأخيرة التقارب بين موسكو وأنقرة بعد أزمة عابرة تفجرت بعد إسقاط القوات التركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 طائرة روسية على الحدود السورية.

وكانت موسكو قد ردت حينها بحزمة عقوبات اقتصادية اشترطت تعليقها باعتذار تركي رسمي، فسارع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حينها لزيارة العاصمة الروسية لاحتواء الأزمة مدفوعا بخسائر اقتصادية وخوفا من تجميد الشريك الروسي مشاريع حيوية بالنسبة لتركيا.

وعززت أنقرة علاقاتها مع موسكو مدفوعة بتوتر علاقاتها مع الشركاء الغربيين المتدخلين أيضا في الأزمة السورية في خضم معارك خاضها أردوغان مع واشنطن والدول الأوروبية على خلفية خلافات حول تدخله في سوريا.

لكن انكشف بعد سنوات من التحالف مع روسيا أن تلك العلاقات كانت هشة أكثر مما كان متوقعا وأنها ربما تتجه للتفكك إن لم تتطور الخلافات إلى مواجهة على الأرض.

والأربعاء حذّر الاتحاد الأوروبي من توسع الصراع وخروجه عن السيطرة في ادلب على ضوء الخلافات بين موسكو وأنقرة.

وكان أردوغان قد هدد بضرب القوات السورية أينما كانت إذا تعرض جندي تركي واحد للأذى، في الوقت الذي لم تحدث فيه اتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤشر قوي على حدة التوتر بين البلدين.

ويجري مسؤولون من البلدين اتصالات منذ صعدت دمشق بدعم من روسي هجماتها على ادلب، لكن التوتر لايزال على حاله ولم يصل الجانبان إلى اتفاق يثبت وقف إطلاق النار في المحافظة المشمولة باتفاق سابق لخفض التصعيد.

ودافعت روسيا كذلك عن تحركات الجيش السوري وعملياته مؤكدة أنها تستهدف الجماعات الإرهابية، متهمة الشريك التركي في اتفاق سوتشي الذي توصل له البلدان في سبتمبر/ايلول 2019 لخفض التوتر، بأنه لم يفعل شيئا إزاء تلك الجماعات في أوضح إشارة روسية على دعم تركيا للمتطرفين في ادلب.

توتر آخذ في التصاعد بين الرئيسان التركي والروسي على خلفية معركة ادلب

وليس واضحا ما إذا كان الرئيس التركي سيجازف بعلاقاته مع روسيا والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى علاقات إستراتيجية خاصة على المستوى الاقتصادي والعسكري، حيث ترتبط تركيا بعقود تجارية وصفقات تسلح ضخمة مع موسكو بينها صفقة صواريخ اس 400 التي تسلمت أنقرة دفعات منها وخط أنابيب النفط ‘تيركش ستريم’ الذي دشنه قبل فترة الرئيسان التركي والروسي.

وتبدو روسيا في موقع قوة بعد أن نجحت في استقطاب تركيا بعيدا عن حلفائها الغربيين بصفقات اقتصادية وعسكرية مغرية لكن تلك الصفقات شكلت في الوقت ذاته سيفا مسلطا على رقاب الشريك التركي.

وأي تصعيد ضد روسيا في سوريا مهما كانت درجته قد يعيد سيناريو عقوبات 2015 التي أربكت اقتصاد تركيا وأرغمتها سريعا على الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية وقدمت تنازلات سرية وعلنية لموسكو.

ولعل هذا الوضع هو ما يفسر تبدل اللهجة التركية وتغير موقفها من التهديد بضرب قوات النظام السوري إلى استخدام القوة ضد الجماعات السورية المتطرفة في ادلب ما لم تلتزم بوقف إطلاق النار.

ولوحت تركيا الخميس باستخدام القوة ضد “المتطرفين” في المحافظة السورية بعدما اتّهمت روسيا أنقرة بالفشل في “تحييد” المجموعات الارهابية بموجب اتفاق أبرم سنة 2018.

وأشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى أنه “سيتم استخدام القوة في إدلب ضد من لا يحترمون وقف إطلاق النار، بمن فيهم المتطرفون”، مضيفا “سيتم اتّخاذ إجراءات بأي شكل كان”.

وفي ديسمبر/كانون الأول، بدأت قوات النظام السوري بدعم روسي هجوما واسعا على مناطق في إدلب وجوارها تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل أخرى معارضة أقل نفوذا، أسفر عن مقتل أكثر من 380 مدنيا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

روسيا ترتهن تركيا بمشاريع ضخمة تعليقها سيكلف الاقتصاد التركي ثمنا باهظا

وزاد مقتل 14 تركيا في إدلب في قصف نفّذته قوات الحكومة السورية من حدة التوتر بين أنقرة ودمشق، وسط قلق بشأن تداعيات التطورات الأخيرة على العلاقة بين أنقرة وموسكو الداعمة لنظام الأسد.

وفي خطوة سياسية تعكس ارتفاع منسوب التوتر بين أنقرة ودمشق، أعلن مجلس الشعب السوري الخميس بالإجماع أن عمليات القتل التي تعرّض لها الأرمن في عهد الدولة العثمانية بين العامين 1915 و1917 هي “إبادة جماعية”.

واتّهم أردوغان الأربعاء روسيا بارتكاب “مجازر” في إدلب وهدد بـ”ضرب النظام في كل مكان” في سوريا في حال تعرضت القوات التركية المتمركزة في إدلب لهجوم جديد.

في المقابل، اتّهمت موسكو أنقرة بعدم الالتزام باتفاق 2018، بينما أشار المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى أن الجانب التركي كان “تعهّد بتحييد المجموعات الإرهابية في إدلب”.

وكان من المفترض أن تنسحب المجموعات المتطرفة من منطقة منزوعة السلاح في إدلب بموجب الاتفاق الثنائي.

وبينما تبادلت تركيا وروسيا الاتهامات بشأن التصعيد في إدلب، عقد الموفد الأميركي الخاص المكلّف الملف السوري جيمس جيفري الأربعاء محادثات مغلقة مع مسؤولين أتراك في أنقرة.

وأعربت واشنطن عن دعمها الكامل لرد شريكتها في حلف شمال الأطلسي على قصف الحكومة السورية في إدلب.

وأعرب جيفري في تصريحات نشرها الخميس على حساب السفارة الأميركية في تركيا عن دعم الولايات المتحدة لمصالح أنقرة “المشروعة” في سوريا.

وقال “تتمثّل مهمّتنا بإقناع روسيا وإيران وحكومة الأسد بأنها لن تحقق انتصارا عسكريا”، مضيفا أن “الولايات المتحدة تتفق تماما مع تركيا” لجهة وجودها في سوريا “دفاعا عن مصالحها الحيوية في مواجهة تدفق اللاجئين وبهدف مكافحة الإرهاب وإيجاد حل للنزاع السوري الفظيع مع نظام الرئيس الأسد الذي يرتكب جرائم حرب”.

وتخشى تركيا التي تستضيف أساسا أكثر من 3.7 ملايين سوري رحلت المئات منهم قسرا الى مناطق حدودية داخل سوريا، تدفق مزيد من اللاجئين الفارين من العنف في إدلب.

وانخرطت أنقرة وواشنطن في سجال على خلفية دعم الولايات المتحدة للفصائل الكردية التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وتعتبرها تركيا “إرهابية”.

وبموجب الاتفاق الثنائي مع روسيا، أقامت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب، حاصرت قوات النظام السوري ثلاث منها، وفق مسؤولين أتراك.

وأمهل أردوغان دمشق حتى نهاية الشهر لسحب قواتها من بعض المواقع في إدلب، مهددا بإجبارها على الانسحاب والقيام بـ”كل ما هو ضروري برا وجوا”، فيما وصفت دمشق الرئيس التركي بأنه “منفصل عن الواقع” بعد تهديداته.

وأرسلت تركيا مؤخرا تعزيزات عسكرية ضخمة لتعزيز نقاط المراقبة التابعة لها في إدلب تتألف من مئات الآليات العسكرية، دخل القسم الأكبر منها بعد تبادل لإطلاق النار قبل أسبوع بين القوات التركية والسورية خلف أكثر من 20 قتيلا من الطرفين، بينهم ثمانية أتراك.

وقال أكار “سنرسل وحدات إضافية لإرساء وقف إطلاق النار والتأكد من أنه سيستمر. سنسيطر على الساحة”.

المصدر - ميدل إيست أونلاين
رابط مختصر
2020-02-13 2020-02-13
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر