الوعي الغائب لامتحانات الثانوية العامة

آخر تحديث : الجمعة 26 يونيو 2020 - 2:02 صباحًا
 بقلم: أ.د/ فاطمة الزهراء سالم محمود
بقلم: أ.د/ فاطمة الزهراء سالم محمود

تعد قضية بناء الوعى من أهم القضايا التى تتجدد دوماً وقت استدعاء الحاجة إلى التوخى والحذر، والإلمام الشامل بكل ما يدور داخل المجتمع، وخارجه.

ولعل الحاجة ماسة الآن إلى تنمية الوعى الأسرى داخل المجتمع المصرى خاصةً وقت الأوقات الحرجة، ووقت الإمتحانات القومية للدولة مثل امتحان الثانوية العامة.

فما نشهده كل عام من تكدس أولياء الأمور أمام اللجان الإمتحانية، ومحاولتهم اختراق الأمن الذى تعده الدولة من أجل سير العملية الإمتحانية بأمن ، وأمان يجعلنا نتوقف عند هذا المشهد الذى يشترك فيه المثقف مع أنصاف المثقفين مع البسطاء.

والسؤال المُلح بشدة لماذا هذه الصورة من القلق ، والهلع ، والتكدس أمام اللجان الإمتحانية؟ ولماذا يتكرر المشهد كل عام بنفس الصورة رغم الإنذار، والتحذير من القيادات التعليمية، والأمنية بالدولة؟

هذه المسألة يمكن تحليلها من جوانب متعددة:

أولاً: الثانوية العامة نهاية مرحلة التعليم قبل الجامعى، وبداية المرحلة الجامعية.

ثانياً: تحديد مصير الفرد يتحدد فى هذه السنة الأمر الذى يجعل أولياء الأمور، والطلاب فى غاية الخوف، والقلق على مصير أبنائهم.

ثالثاً: الشعور بالذنب لدى أولياء الأمور فى حالة عدم الوقوف بجانب إبنه أو إبنته حتى آخر وقت، وهذا الإعتقاد توارثته الأسرة المصرية منذ عدة سنوات.

رابعا: شعور (الطالب/ الطالبة) بالراحة، والاطمئنان فى حالة وجود أحد ذويه بجواره خاصةً، وهو يمتحن.

خامساً: تشجيع أولياء الأمور أبنائهم بعبارات تطمينية من مثل سأكون بجوارك وقت الإمتحان أدعو لك، وأقرأ القرآن أو الإنجيل، سأنتظرك حتى تخرج من الإمتحان ، قلبى معك، وأنت تجاوب على الأسئلة ، تلك العبارات تهز قلوب الأبناء، والفتيات، ويقلل من خوفهم أثناء أداء الإمتحانات النهائية للثانوية العامة.

تلك الإعتقادات والتقاليد المتوارثة منذ عدةسنوات هى ما تولد أزمة وعى الأسرة المصرية أثناء أداء الإختبارات القومية للثانوية العامة.

فى ضرورة بناء الوعى

يرى “البلداوى” أن الوعى أهم من الشهادة، لأن الكثير من العقول المتحجرة من حاملى الشهادات ، لكنهم يمارسون أفعالاً سيئة ، وشيطانية . ( البلداوى 2013، 6)، فالوعى أولوية لبناء الأوطان، وليس فقط التأهيل العلمى، أو الوظيفى، أو المدنى.

إن الفرد كى يصبح مواطناً من أولى عمليات المواطنة هو الإنتماء للبلد، والحفاظ على نظامه، وهذا لن يتأتى إلا بالوعى الكامل بكافة نظم الدولة، والإدراك التام بأسس العلاقة بين الشعب، والدولة.

وفى مؤلفه القيم ” عودة الوعى ” يرى الكاتب الكبير “توفيق الحكيم” أن مصر ليست بحاجة إلى عودة الروح كما ذكر الزعيم الراحل عبد الناصر فى كتابه ” فلسفة الثورة “، إنما ما تحتاجه مصر كما دار بخلد الحكيم هو “عودة الوعى”. فعودة الوعى لمصر هو عودة لحريتها، وعودة لوعى الحر للشعب ، إذ أن مصر صاحبة حضارة السبعة آلاف عام لا يمكن أن تستهين بقيمة الوعى فى عودة القيم الأصيلة للمجتمع المصرى. ( الحكيم 2006، 76).

إذن هل نحن بحاجة إلى تعريف الوعى كى يعى الناس بأهمية الوعى فى حياتهم الآنية، والمستقبلية؟

الوعى ببساطة هو إدراك، وإلمام، وإحاطة، وحيطة، وحذر، وفهم كل ما يدور فى الحياة العامة سواء المجال المحيط بالمرء، أو قرارات الدولة، أو العلاقات اليومية، أو الأحداث الجارية، أو الأحداث العالمية.

الوعى هو شعور داخلى يتطور مع المرء إلى ممارسات سلوكية يراها الأفراد المحيطين به ، والمجتمع بأكمله.

فالوعى ضرورة دينية، وأخلاقية، وأمنية، وسياسية، واجتماعية، ونفسية، ومستوى الوعى، ودرجاته ومراحله يرتبط ببقاء المرء أو فناءه، وهلاكه.

وعلى ما يبدو من المشاهدات المتعلقة خاصةً وقت الأزمات بالشارع العالمى لاسيما الشارع المصرى أن مسألة الوعى لا علاقة لها بالتعليم رغم أهميته فى تشكيل العقول، وتغيير عادات الناس، ولكنه غير كافٍ لحث الأمم على الإدراك، والتوقع، والتنبؤ بحجم المخاطر التى ستحدث لهم فى حالة اتباع أهوائهم الشخصية دون إعمال العقل، أو التفكر، أو التدبر. فقد تضمن القرآن الكريم الكثير من الآيات التى تحث على التفكر والتدبر والتعقل، وكلها أفعال ذهنية تسم الإنسانية. ومن آيات الذكر الحكيم قول الرحمن: “وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (الرعد ، الآية 4)، وفى قوله تعالى : “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا” (النساء، الآية 82).

وفى وصف الإنسان بالحيوان عندما لا يتفكر فى قول المولى عز وجل “وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” ( الأعراف، الآية 176).

وقد شغل علماء النفس، والأعصاب، والفلاسفة أنفسهم بمسألة الوعى، واحتاروا فى تعريفه فمنهم من ربطه بالحالة الشعورية عند المرء، وما يمارسه من سلوكيات ، وردود أفعال بناء على هذا الإدراك، ومنهم من يربطه بطريقة التفكير، والإدراك العقلى، والاستبطان الروحى، ومنهم من ربط قضية الوعى بالمخ الإنسانى، والإشارات، والهرمونات التى يرسلها المُخ للتحكم فى سلوكيات الإنسان، وطريقة تفكيره، وتصرفاته.

وتفسيرات الوعى المتعددة تجعله لازال مفهوماً غامضاً سواء كان الوعى الداخلى القائم على الإنتباه، والتركيز ، ووضع الموضوعات المدركة فى بؤرة الوعى، أو وعياً خارجياً له علاقة بالقوانين، واللوائح والقواعد والمبادئ التى يدشنها المجتمع، أو الأفراد، أو المؤسسات، أو الحكومات، أو الدولة.

ويرتبط الوعى بقوة التأثير، سواء التأثير على الذات أو التأثير على الآخرين بفضل قوة الوعى، والإدراك بأهم الأمور، والقضايا الحياتية. (بلاكمور 2016، 18).

بناء على ماسبق يمكن تحديد ضرورة الوعى فى النقاط المختصرة التالية:

– الوعى دليل على إنسانية الإنسان. – الوعى يبدأ من داخل الإنسان لا من الخارج. – الوعى له قوة تأثير على الشخص ، والآخرين. – الوعى قد يكون إيجابياً، أو سلبياً. – للوعى دوائر تنتقل عبر الأشخاص، والمجتمعات حسب مستويات الوعى، وقوة التأثير. – مستوى الوعى يحدد نمط التفكير الإنسانى. – ينجو صاحب الوعى من الوقوع فى العديد من المشكلات، والأزمات. – الوعى له رصيد ثقافى، ودينى، وسياسى، ومجتمعى.

إثراء وعى الأسرة المصرية قبل أداء امتحانات الثانوية العامة

كثيراً نجد أن تنمية الوعى مرتبط بتنمية مستوى التفكير لدى الفرد، والمجتمع على السواء، فليس كل ما جُبل عليه الإنسان غير قابل للإجراء التصحيحى، وتعديل السلوك. إذ أن تحقيق الأهداف يتطلب السمو، والرقى بالوعى الإنسانى، وإدراك أن الإحتياج الشديد للعقول المستنيرة أياً كان مستوى تعليمها من أجل التنمية المجتمعية، والأخلاقية للأفراد، والمجتمع على السواء. ( الحسون 2003 ، 11، 12).

ومن ثم فإن تذكية، وإثراء وعى الأسرة المصرية قبل أداء امتحانات الثانوية العامة بحاجة إلى معاملة مع الأسر المصرية بشكل مختلف يجعل الأسرة المصرية تدرك أهمية تعديل سلوكها أثناء الإمتحانات.

والإجراءات التالية يمكن اتباعها من قبل الدولة، والقيادات السياسية ، والتعليمية:

الإجراء الأول:

إقرار خاص بولى أمر الطالب قبل الإمتحانات بأسبوع كامل يتضمن عدم تواجد ولى الأمر أمام لجنة الإمتحانات لأى سبب من الأسباب، على أن يقوم بالتوقيع عليه الأب، والأم معاً أو أحدهما. مع تحديد عقوبة مخالفة ذلك من قبل الجهات المعنية بغرامة قيمتها 5000 خمسة آلاف جنيه أو حبس لمدة ثلاثة شهور.

الإجراء الثانى:

إقرار خاص بولى الأمر بعدم إحداث الفوضى أمام لجنة امتحانات الثانوية العامة أثناء توصيل أبنائهم، ومغادرة المكان بعد توصيل أبنائهم، وعدم الوقوف بسياراتهم أمام اللجان الإمتحانية تحت أى ظرف. ويتم تحديد عقوبة مخالفة ذلك من قبل الجهات المعنية بغرامة قدرها عشرة آلاف جنيهاً 10000، أو حبس لمدة ستة أشهر على عقوبة إحداث الشغب والفوضى.

الإجراء الثالث:

كتابة نشرة ،وتوزيعها على المدارس ، وإعلام أولياء الأمور بها ، بضرورة الإهتمام بالطالب /الطالبة أثناء فترة الإمتحانات ، وتوفير كافة سبل الراحة النفسية ، والاجتماعية ، والرعاية، والتغذية السليمة .

الإجراء الرابع:

حصر طلاب، وطالبات الثانوية العامة، والفنية المعوزين داخل كل مدرسة، وإرسال معونات مادية، وغذائية لهم، ولأسرهم طوال مدة الإمتحانات التى تقدر بشهر كامل. ويتم توزيع المعونات على جميع أسر الطلاب، والطالبات فى مرحلة الثانوية العامة الذين بحاجة إلى دعم من قبل الدولة.

الإجراء الخامس:

تضمين برامج الإذاعة، والتلفزيون، والصحف القومية فيديوهات تعليمية لأولياء الأمور لكيفية العناية بأبنائهم أثناء فترة الإمتحانات، وعدم إثارة الرعب فى نفوس أبنائهم، والترهيب بأنها معركة المستقبل؛ حيث تبين أن قلق أولياء الأمور المرضى ينعكس على أبنائهم مما يتسبب فى تشتتهم، وإرهاقهم نفسياً، وعصبياً.

كما أنه من الضرورى تصميم فيديوهات تتعلق بآداب توصيل أبنائهم أمام اللجان الامتحانية. على أن يتم إذاعة البرامج الإرشادية، والفيديوهات وقبل انعقاد الاختبارات بوقت كافِ( بأسبوعين على الأقل) بشكل جذاب ، وشيق للأسر المصرية.

الإجراء السادس:

وضع آلية لشكاوى أولياء الأمور قبل، وأثناء الإمتحانات للتواصل مع الجهات المعنية أولاً بأول لحل تلك المشكلات، على أنت تكون تلك الآلية يسيرة على كل أولياء الأمور بكافة أنماطهم الثقافية، والإجتماعية.

مثل تخصيص خط ساخن لشكاوى أولياء الأمور، أو جروب على الواتس آب، أو إيميل للإرسال عليه الشكاوى، أو عنوان بريدى لإرسال خطابات الشكاوى عليه لمن لا يمتلكوا مهارات التعامل مع التكنولوجيا من أولياء الأمور.

والتنويه أن الدولة المصرية تعتبر اختبارات الثانوية العامة والفنية مستقبل وطن ، وأن الدولة تحرص على إرضاء جميع أولياء الأمور، والوصول إليهم أينما كانوا، والعمل على إيجاد بدائل لمشكلاتهم، ومشكلات أبنائهم.

إثراء وعى الأسرة المصرية أثناء أداء اختبارات الثانوية العامة

الإجراء الأول:

وضع حواجز أمنية أمام اللجان الإمتحانية تخص أعضاء اللجنة الإمتحانية، والطلاب فقط، وأعضاء الأمن من قبل وزارة الداخلية.

الإجراء الثانى:

تخصيص أبواب خلفية للطلاب، والطالبات ذوى الإعاقة الحركية، والبصرية للدخول منها من خلال أولياء أمورهم إلى أماكن اللجنة، وأن يخرج أولياء أمورهم على الفور، ومن خلال مسئول أمنى.

الإجراء الثالث:

مناشدة أولياء الأمور غير الملتزمين بالإقرارات التى قاموا بالتوقيع عليها قبل أداء الأمتحانات، من خلال مذياع (ميكروفون) مخصص أمام اللجان بأنه سيتم توقيع العقوبة، أو الغرامة على الفور إذا لم يغادروا المكان سواء الذين يسيرون على أقدامهم، أو الذين يأتون بسياراتهم الخاصة.

الإجراء الرابع:

مناشدة أولياء أمور الطلاب عند استلام أبنائهم بعد الإنتهاء من الإمتحاناتبعدم التجمهر أمام اللجان، وإحداث الفوضى، وأن يغادروا المكان على الفور بعد خروج الأبناء من لجان الإمتحان سواء أولياء الأمور الذين يسيرون على أقدامهم، أو الذين يأتون بسياراتهم الخاصة.

الإجراء الخامس:

حث أولياء الأمور من خلال الإرشادات المستمرة عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية والصحف القومية على أهمية عدم نقاش أبنائهم فى إجاباتهم بعد أداء الإمتحانات أو محاولة استفزازهم أو إشعارهم بالخيبة أو الفشل عند التعثر فى الإجابة على بعض الأسئلة.

وعلينا أن نتذكر أن الإختبارات ليست للهلع، أو الخوف على مستقبل، أو مصير الأبناء، وإنما هى وسيلة كوسائل أخرى كثير من طرائق التقويم، والتقييم، والتى تختبر أداء المواطن المصرى الفاعل فى التنمية فى المستقبل القريب والبعيد.

المراجع العلمية:

-بلاكمور، سوزان (2016) : الوعى، ترجمة مصطفى محمد فؤاد، مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة، القاهرة.

-البلداوى، عدى (2013) : صناعة الوعى ، مؤسسة البلداوى، بغداد.

-الحكيم، توفيق (2006) : عودة الوعى ، دار الشروق، القاهرة.

-الحسون، علاء (2003) : تنمية الوعى منهج فى إرتقاء المستوى الفكرى وتشييد العقلية الواعية، دار الغدير، إيران.

* كاتبة المقال: أستاذة أصول التربية في كلية التربية بجامعة عين شمس.

رابط مختصر
2020-06-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر