“كورونا” بين الحلال والحرام

آخر تحديث : الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 - 12:23 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

بعد عام من ظهور فيروس “كورونا المستجد” والذي بدأ بالصين ليغزو العالم أجمع في شهور عدة، وبعدما أصاب الفيروس اللعين فوق السبعين مليون إنسانا وراح ضحيته نحو مليون وسبعمائة ألف آخرين، تأتي الموجة الثانية من الفيروس والتي اعتبرها العلماء بأنها الأسرع انتشارا والأشد خطرا في الإصابة والموت.

كما ظهرت سلالة جديدة من فيروس كورونا في بريطانيا أثارت هلعا بين الناس في مختلف دول العالم بعد أن تطيرت الأنباء بعدم القدرة على السيطرة على السلالة الجديدة وأنها أشد خطورة من سابقتها، وهو ما أدى إلى اتخاذ قرارات من مختلف الدول بتعليق الرحلات الجوية والسفر من وإلى بريطانيا لحين الاستقرار وما يتم الوصول إليه في شأن هذه السلالة الجديدة.

وبعد أن الارتباك الواضح مع ظهور فيروس كورونا العام الماضي والذي استمر في حصد إصاباته وضحاياه وحتى الآن وتم التعامل مع الفيروس بأسايب مختلفة استقرت في النهاية على إلغاء الغلق الكلي والجزئي الذي لجأت إليه الحكومات لمختلف الأنشطة الاقصادية والاجتماعية بعد أن تدهورت اقتصاديات هذه الدول، كما تم إلغاء منع السفر الدولي والذي ألحق ضررا بالغا على النشاط السياحي، كذلك اضطرت جهات عديدة إلى إلغاء مؤتمراتها الدولية والمحلية مراعاة للتباعد الاجتماعي ومنع الإصابات.

ووسط كل هذه الإجراءات الاحترازية بمختلف مستوياتها من التخفيف أو التشديد كانت تظهر دعوات مؤيدة للغلق أو رافضة له، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوة الحكومات إلى ضرورة الغلق، متغافلين أصحاب تلك الدعوات مدى الضرر الاقتصادي العائد على العاملين في القطاع الخاص والذين تتوقف دخولهم على قدر إنتاجيتهم.

لم تتوقف المعامل ومراكز الأبحاث وشركات الدواء في سعيها عن تخليق لقاح للقضاء على الفيروس اللعين، حتى أعلنت شركات أمريكية وصينية وروسية توصلها للقاح المطلوب وبدأ إنتاجه وتجريبه استعدادا لطرحه في أسواق الدواء.

ومع كل هذا الزخم والجدل الذي صنعه فيروس كورونا وتداعياته التي طالت مجالات السياسة والاقتصاد ظهرت علينا موجة جديدة ولكن هذه المرة من أصحاب العقول المتشددة بإسم الدين مطلقين فتواهم بتحريم لقاحات كورونا بدعوى احتوائها على الجيلاتين المستخرج من لحم الخنزير “المحرم أكله”.

وظهرت تلك الفتاوى في دول شرق آسيا ذات الأغلبية المسلمة، ليحرض رجال الدين الإسلامي هناك على تناول اللقاح على أمل أن تعم تلك الفتوى أرجاء العالم الإسلامي. وللأسف الشديد، من الممكن أن تلقى تلك الفتاوى أو الآراء صدى واسعا في محيط العالم الإسلامي من التيارات المتشددة “فقها” في ظل انتشار مدارس دينية متنوعة وعدم الاعتداد بجهة واحدة رسمية في كل دولة تتحمل مسؤولية الفتوى والتشريعات الخاصة بها.

إن الفتوى المتعلقة بتحريم لقاح كورونا المحتوي على أحد مشتقات الخنزير ستأخذ جدلا واسعا بين الحلال والحرام في الأيام المقبلة بين تيارات دينية منفتحة وأخرى منغلقة (من باب سد الذرائع)، الأمر الذي سيفتح بابا بعيدا عن الباب الأساسي للأزمة العالمية وهو السعي للقضاء على فيروس كورونا وسلالاته المتجددة.

وفي خضام هذه الجدلية والتي تعتبر محسومة من عقود طويلة، تأسيسا على القاعدة الفقهية المعروفة “الضرورات تبيح المحظورات” وخاصة عند التداوي والعلاج بما فيه مصلحة الإنسان (مسلما كان أو غير مسلم) سينشغل المسلمون بما هو واجب تركه أصلا. وبحسب الخبراء وعلماء اللقاحات، فإن مادة الجيلاتين المستخرجة من لحم الخنزير ليست من مكونات اللقاح المستخدم لعلاج كورونا، ولكن تدخل في اللقاحات كمادة حافظة لها؛ لضمان فاعلية اللقاحات وبقائها آمنة أثناء التداول والتخزين.

وإذا أجهد أصحاب تلك الفتاوى عقولهم قليلا، لوجدوا أن أكل الميتة وأي محرم عند الضرورة القصوى أو مجرد الشك في تعرض حياة الإنسان للخطر، وبشكل خاص عند التداوي فقد أحله الشرع لما اقتربوا من إصدار تلك الفتاوى التي فيها تقديم هلاك الإنسان وموته على صحته وحياته.

إن معركة جديدة بين الحلال والحرام في تلك الظروف الصعبة والاستثنائية، بطلها فيروس كورونا، يجب تركها لأهل العلم والاختصاص الذين بناء على رأيهم الأمين الدقيق يأخذ به الفقهاء ويصدرون فتواهم لصالح الناس.

وهنا نشير إلى أن مجمع البحوث الإسلامية، التابع للأزهر الشريف، وهو أعلى جهة للفتوى في العالم الإسلامي يضم في عضويته كوكبة من علماء الفقه الفطاحل في مختلف تخصصاته، كما له مرجعيات في جميع التخصصات العلمية والاقتصادية بمختلف المجالات ليؤسس فتاواه بناء على رأي أهل التخصص؛ بما يجعلنا ندع الثقة في فتاوى هذا المجمع الأمين الذي تتوفر فيه أسس وقواعد علوم الفقه وأصوله التي تستند عليها الفتوى ويتم تخريجها تخريجا صحيحا.

بقي أن نلفت الانتباه إلى أن دولا مثل أفغانستان وباكستان ونيجيريا مازالت حتى اليوم ترتفع فيها نسبة الإصابة بـ”شلل الأطفال” و”الجدري”؛ نظرا لتصدير الاعتقاد بوجود مشتقات الخنزير في اللقاح المعالج.

رابط مختصر
2020-12-22 2020-12-22
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر