تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان والتي تبدأ غداً /الاثنين/ ولقائه ومباحثاته مع السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، أولوية استراتيجية باعتباره اللقاء الأول الذي يجمع القيادتين العُمانية والمصرية، منذ تولي السلطان هيثم مقاليد الحكم في 11 يناير 2020، وتؤكد على متانة وخصوصية العلاقات التاريخية بين البلدين، خاصة أنها تأتي عقب مباحثات مهمة شهدتها القاهرة مؤخراُ وتمثلت في زيارات عدة من قادة ورؤساء الدول العربية.
تتناول الزيارة سبل دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلًا عن بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وهي محل ترقب وترحيب كبير في عُمان، لما تكنه القيادة والشعب العُماني للرئيس السيسي والشعب المصري من تقدير.
المتابع السياسي لمؤشر العلاقات العُمانية المصرية يلحظ أنها تشهد دوماً دفعات قوية للأمام، بفضل الانسجام في المواقف والسياسات تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة، حيث يدعو البلدان دائما إلى حل جميع مشاكل وقضايا المنطقة بالحوار، وتؤكد زيارة الرئيس السيسي على موقف مصر الثابت بشأن ضرورة الحفاظ على التضامن العربي في مواجهة التحديات المختلفة التي تشهدها المنطقة وتأثيراتها المحتملة على الأمن القومي العربي، فضلا عن التأكيد على سياسة مصر الثابتة والراسخة التي تدفع دائما بالحلول السياسية للأزمات وضرورة تجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر أو الاستقطاب وعدم الاستقرار.
وتشهد العلاقات العُمانية المصرية باستمرار نمواً مطرداً بفضل التوافق المشترك بين قيادتي البلدين السلطان هيثم بن طارق والرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد أولى السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، منذ أن تم تعيينه سفيراً لسلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، جل اهتمامه بتفعيل ملف العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة بين عُمان ومصر، وذلك تنفيذاً لتوجهات الدبلوماسية العُمانية الجديدة (الدبلوماسية الاقتصادية) ووفقاً لتوجيهات السلطان هيثم بن طارق، من أجل التنفيذ الفعلي لرؤية “عُمان 2040”.
ـ وعكف السفير الرحبي، على تنفيذ هذه الاستراتيجية وفق خطة منهجية مدروسة، من خلال زياراته المكثفة للجهات والمؤسسات الاقتصادية في مصر، وعقد لقاءات مع المسؤولين المصريين في مجالات الاقتصاد والاستثمار، أو عبر استضافة مجموعات من رجال الأعمال المصريين، وذلك في مقر بعثة سفارة السلطنة بالقاهرة، من أجل بحث فرص التعاون المشترك في المجالات المستهدفة والتي تحقق المصالح المتبادلة بين البلدين وبما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين عُمان ومصر.
وشهدت القاهرة الأسبوع الماضي فعاليات منتدى الأعمال العُماني المصري، حيث قام وفد صناعي عُماني برئاسة عبد الله بن علي الشافعى رئيس فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بشمال الباطنة وضم 19 رجل أعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عمان بزيارة رسمية لمصر خلال الفترة من 17 – 22 يونيو 2022، وذلك لبحث سبل التعاون الصناعي وتبادل الخبرات بين البلدين ومناقشة الفرص الاستثمارية المتاحة والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال تنمية وتطوير المناطق الصناعية وانشاء المجمعات الصناعية المتكاملة والمدن المتخصصة.
وأكد السفير عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى مصر والمندوب الدائم لدى الجامعة العربية، أن العلاقات السياسية بين سلطنة عمان ومصر تعيش أزهى عصورها، وتحظى باهتمام ومتابعة مستمرة من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقال: نحن نقوم بتنفيذ توجيهات قيادة البلدين في النهوض بالعلاقات الاقتصادية، وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار المشترك لتتواكب مع رؤية عمان ٢٠٤٠، ورؤية مصر ٢٠٣٠.
علاقات تاريخية متجذرة
مرت العلاقات بين السلطنة ومصر بعدة مراحل تاريخية، إذ ترجع العلاقات إلى ما قبل 3500 سنة، حين كانت الملكة حتشبسوت ملكة مصر، ترسل أساطيلها التجارية إلى ظفار العمانية لتحمل بلبانها الفاخر الذي استخدم في تعطير المعابد الفرعونية، وحينما فتح عمرو بن العاص مصر، جاء عدد من القبائل العُمانية في ذلك الوقت، وأكدت المؤشرات التاريخية على بقاء أفراد من عُمان وشكلوا فيما بعد بعض القبائل.
ـ واعلن السيد سلطان بن أحمد (1792-1804) استياءه من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وأوقف المفاوضات الفرنسية العمانية التي تمهد لعقد معاهدة بين الدولتين، واعلن احتجاجه الرسمي على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة .
ـ في 13 يناير1944 قام السلطان سعيد بن تيمور بزيارة مصر للمرة الأولى، والتقى بالملك فاروق، وعدد من الشخصيات المصرية في حكومة دولة مصطفى النحّاس رئيس الوزراء. وبحث امكانية دراسة ابنه قابوس في مصر، ومن أجل توطيد علاقات أكثر قوة ومتانة. وفي 17 أبريل وصل السلطان سعيد بن تيمور إلى القدس عن طريق القطار قادمًا من القاهرة. ـ أعلنت عُمان تأييدها لمصر خلال العدوان الثلاثى عام 1956، وانفجرت مشاعر الغضب فى كل أنحاء عمان، وعبر المئات من العمانيين عن استعدادهم للمشاركة فى نضال مصر الوطنى ضد المعتدين.
ـ من المواقف المشرفة للسلطان قابوس ـ طيب الله ثره ـ حينما أطلق مبادرة تاريخية وأصدر مرسومًا أثناء حرب أكتوبر 1973 بالتبرع بربع رواتب الموظفين العُمانيين لدعم مصر مع إرسال بعثتين طبيتين عُمانيتين لمصر. ـ في عام 1977 رفضت سلطنة عُمان قطع علاقتها مع مصر بسبب توقعيها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وقال السطان قابوس رحمه الله حينها: “أن مصر لا تقاطع ولا تعزل ولا تموت بسبب موقفها”.
ويستمر هذا النهج في مسيرة عُمان المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق، إذ أكد في خطابه الأول في ١١ يناير ٢٠٢٠م بالسير في نهج عُمان في علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء. ويؤكد المسئولون العُمانيون دوماً أن مصر لها الأولوية والاهتمام لدورها الريادي والأساسي في قاطرة الأمة العربية.