فلسفة الاستقلال اللبناني

آخر تحديث : الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 7:49 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

يتّهمني بعض أخواني بأنّي تركتُ عروبتي إلى لبنانيّتي فكنت أجيبهم بأنّ الذي يناضل من أجل حريـة لبنان يناضل أيضاً من أجل كلّ العالم العربي ، وقد قلت في أحد خطبي ، إنني أفضّل أنْ أعيش مستقلاً في بلدة “كفرذبيان” ، على أنْ أعيش في أمبراطورية عربية مرتبطةٍ بأحلافٍ ومحكومةٍ من الأجنبي .

رياض الصلح (1)

يوم كان لبنان واقعاً تحت أشرس إحتلال عثماني كان يتمتّع بظاهرة إستقلالية خاصة ، حتى إنّ المتصرّف بحسب البند الرابع عشر من نظام لبنان الأساسي كان عليه أن يستشير مجلس الإدارة الوطني في الجبل إذا شاء أن يطلب من سوريا إمدادَهُ بالجنود .

وحين راحت مظاهر استقلال لبنان تتقلّص تباعاً ، منذ أن أرسى قواعدها الثنائي : بشارة الخوري ورياض الصلح ، وصلنا مع أشباه الرجال إلى يـوم أصبح الإستقلال فيه أشبّـه بالإحتلال .

الإستقلال بالمعنى الفلسفي حـدّده الفيلسوف الإلماني “كانـط” في كتابه “ماورائية الأخلاق” بعدم خضوع الإرادة لشريعة مفروضة من الخارج .

وبالمعنى الفلسفي ذاته يجسّد “حـي بـن يقظان” لأبـن طفيل ، الإستقلال بأنّـه لا يخضع في إدارة أمـورهِ إلاّ للقوانين العقلية التي يكتسبها بذاتـه .

وبالمعنى العربي ، يقول إبـن منظور في معجم “لسان العرب” : إستقلّ الطائر في طيرانه ، أيْ نهض وارتفع .

والإستقلال بالمعنى المسيحي ، يشخّصهُ كمال جنبلاط في كتابه “أحاديث الحرية” صفحة : 47 ، فيقول :

“إنّ أول حركة إستقلالية منتظمة كانت سنة 1875 عندما أسّسَ شبانٌ من خريجي الجامعة الأميركية جمعيةً سرّيـة وكانوا جميعهم من المسيحيين ، ثم أدخلوا معهم 32 عضواً من العناصر المسلمة والدرزية وكان للجمعية فـرعٌ في دمشق وهي أول محاولة إستقلالية في العالم العربي ..”

وحتى لا نعقّـد الأمور كثيراً بالمعنى الفلسفي والمسيحي للإستقلال ، ومن باب فلسفة التبسيط الشعبي نستحضر ما يقوله : “أبو ملحم” في إحدى زجلياته:

شعب يمـزّق ألـف جلال حتى ينال استقلالو

وشعب يدوس الإستقلال حتّى يحافظ عَ جلالـو

وبين الجلال والإستقلال بالمفهوم الشعبي ، يكون الفقـر والجـوع والفساد والـذلّ هو أيضاً إحتلال …

ويصبح الحكم الذاتي الذي يجـرّ البلاد إلى الإنهيار ، والشعب إلى الإحتقار هو أيضاً إحتلال .

لا … ليس صحيحاً ما يردّدهُ بعض المشكّكين بأنّ لبنان نـال إستقلاله بلا ثمـنٍ وبلا دم .

في أعقاب اعتقال الشيخ بشاره الخوري ورفاقه في 13 تشرين الثاني 1943 إنتفضت بيروت : الكتائب والنجادة بقيادة الشيخ بيار الجميل ، فاعتُقل الشيخ بيار الجميل وجُـرح .

وضمّت انتفاضة النساء الإستقلاليات بقيادة زلفا شمعون مختلف الطوائف مخترقة الشوارع إحتجاجاً(2) .

وثارتْ مظاهرات في بعلبك ، وشهدتْ مدينة طرابلس مجزرة سنغالية كان من ضحاياها 13 شهيداً ، وسقط في مدينة صيدا ستون شهيداً بين قتيل وجريح(3) وتمـزّق جسد الشهيد سعيد فخر الدين إبـن عيـن عنوب بالرصاص وهو يستلّ سيفـه لقطع عنـق سائق دبابة كانت تستهدف حكومة بشامون(4) .

هذا بعضٌ خاطف من لقطات التاريخ الإستقلالي ، ففي أيِّ نـوع من الإستقلالات نحن اليوم ، وأيـن هو لبنان وشعب لبنان ومسيحيّو لبنان من الإستقلال بالمعنى الفلسفي للفيلسوف الإلماني “كانط” ، “والفيلسوف” اللبناني “أبو ملحم” .

وقد أصبحنا في وطـن اللاّوطن وفي دولـة اللاّدولة وفي دولة اللارئيس وفي استقلال اللاّ إستقلال .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2022-11-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر