إعتصموا…

آخر تحديث : الجمعة 27 يناير 2023 - 7:51 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

إعتصموا … في بيت الأمّـة إعتصموا … واعتصموا بحبلِ اللـه وإرادة الشعب ، وتشبَّهوا بالكرام .

هكذا ، إعتصم نواب الجمعية الوطنية إبّـان الثورة الفرنسية ، فمَـنْ هو منكم خطيبُ الثورة “ميرابو” يقول لرسول الملك ، قُـلْ لسيّدك : نحن هنا بإرادةِ الشعب ولـن نخرج إلاّ على أسنَّـةِ الحراب.

أنتُمْ يا ممثّلي الأمـة.

لعّلكُمْ ، في أبراجكم العاجيّةِ فـوق ، لا ترون ما تتخبّطُ بـه الأرضُ من كوارث.

إليكم إذاً ، ما نـراهُ نحنُ الذين تحت …

عندنا … بـلادٌ محروقةٌ تتراقص على ألسنةِ اللّهب ، ورجالُ الإطفاء يرقصون حـول النار كمثل الهنود الحمر …

أرضٌ تترَّنح فوق الأرض وحجرٌ يتدحرج فوق حجر …

جمهوريةٌ جوفاء بلا رئيس ، حكومةٌ عرجاء بلا ثقـة ، سلطة بلا مسؤول ، أمـنٌ سائب للرعاع ، جريمةٌ تستفحل بالقتل والسلب والتهريب ، سجونٌ متخمةٌ بالخارجين على القانون من داخلٍ ومن خارج ، والقضاءُ يتشابكُ مع القضاء …

دولارٌ يتنافسُ مع الريح ، جـوعٌ يتراكم ، فقـرٌ يتفاقم ، مرضى يتأرجحون بين أشداق الموت.

طالبةٌ جامعيةٌ من “آل رحّـال” تعرضُ هوّيتها اللبنانية للبيع لمعالجة والدها المريض ، والنازحون يصادرون الهوّيـة ، يحتلّون نصف لبنان ، ومواهب شعب لبنان تنزح في لبنان وفي أصقاع القارات الخمس.

ومن البليّـةِ مع هذا ، أنْ يقف المجلس النيابي أمام الأهوال كأنّـة “أبو الهول” على رمال النيل ، ينتصب كالجماد في متحف الدولة ، فيما الدولة تتحوّل إلى مجلس عـزاءٍ والشعب فيها مِـن الندّابين.

في أبراجكم العاجيّةِ فـوق سحائب غيمٍ وضباب ، وانتخاب الرئيس في الضباب ضلال.

لا تفتّشوا عن إسم الرئيس في سجلاّت دوائر نفوسكم …

ولا في التسجيلات الصوتية تسرّبها دوائر السفارات ومخابراتها …

فتّشوا عن إسم الرئيس في أرغفة الخبز ، ورفوف الصيدليات ، وأسرَّةِ المستشفيات ، وصفوف المدارس والجامعات وخلف لصوص الصيرفة والمصارف …

فتّشوا عن صورة الرئيس في مغاور الفقراء ، وحناجر البؤساء ، وصراخ الأطفال ، وأنين الأيتام ، والأيدي التي تلتقط القوتَ خلسةً من فضلات مآدب أثرياء الحرب وأثرياء النهب .

فتّشوا عن صورة الرئيس على ضؤ القناديل والشموع الشاحبة ، قبل أنْ تعلّقوا صورتَـهُ في دوائر الدولة المظلمة ، ومن تحتها تُرتكب الفواحش ، وتُختلَسُ الصناديق ، وتزوَّرُ المعاملات وتستشري الرشوة.

هو الرئيس الذي يشمخ في خيمةٍ على الحدود ، ويرتسم رمـزاً وطنياً في العلم ، يبدّد آثـار الإنفجار الهمجي عن سماء بيروت والإنفجار الحقوقي عن وجـهِ أمِّ الشرائع ، يمحو عن الدولة علامة العار ، ويرفع فوقها إشارة العنفوان التاريخي .

أسقطوا الرئيس الذي يبْصمُ بالعشرين ، يوقّـع على بياض ، ويمسحُ الجـوخ على الأكتاف ويرتمي في الأحضان المنتفخة.

أسقطوا الرئيس الذي يتشوّه في عهده وجـهُ لبنان الحضاري ليرتدي كفَنـاً متوحِّشاً على غـرار أنظمة القمع الدموي ، وسلاطين مضيق “البوسفور” …

أنتم ، يا ممثِّلي الأمـة …

هل تنتظرون كلمة السّر …؟

وحدكم تتحمّلون مسؤولية جسيمة يحاسبكم عليها التاريخ …

فإنْ لـمْ تستطيعوا اليوم ، فلن تستطيعوا غداً …

وإنْ سقطتُمُ اليوم ، فلنْ تنهضوا غداً …

بلْ ، سيكون سقوطكُمْ عظيماً ، ويكونُ عظيماً سقوطُ لبنان العظيم.

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2023-01-27
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر