لا تُجْلِسوا فوقَ الأريكةِ نائبَا
لاَ فرْقَ إنْ يكُ حاضراً أوْ غائبَا
من الغريب المدهشِ أنْ نـرى السادة النواب على اختلاف ميولهم وفئاتهم ومذاهبهم وأحزابهم كلّهمْ جميعاً يقولون : لا حـلَّ إلاّ بانتخاب رئيسٍ للجمهورية.
ولسنا ندري لِـمَنْ يوجِّـهُ النوابُ الخطابَ والعتاب ، وعلى مَـنْ يقـعُ الذنبُ والخَطْبُ في انعدام الحـلّ.
إنَّـه الوجهُ الهزْليُّ للمأساة ، أنْ نـرى المجلس النيابي مجالسَ حيال الإستحقاق المصيري ، والمجالسُ بلا أمانات ، وأنْ نـرى المسؤولين عن الحـل ، يفتّشون عن المسؤولين عن الحلّ … وإذ ذاك يكون الحـلُّ بحـلِّ المجلس النيابي.
هل حقّـاً كما يقول الرئيس نبيه بـري : “إنّـنا بلغنا سنّ الرشد الوطني والسياسي ونملك القدرة والمسؤولية الوطنية لإنجاز استحقاقاتنا الداخلية والدستورية بأنفسنا ..”؟
هل بلـغَ المسؤولون حقّـاً سنّ الرشد …؟ كما يقول الرئيس بـرّي ، أو أنّهم لا يزالون يتقاتلون على خلافة الخلفاء الراشدين ..؟
عندما تصبح الدولة بمعظم أجهزتها أشبه بالأشلاء المبعثرة ، فهل تسألون كيف بلَـغَ اليأس عند الناس قمَّـةَ الكفر ، إلى حـدِّ التفكير بالفدرالية والإنفصال والطلاق وحتى التقسيم …؟
تصّوروا … كيف أنّ نظام سنة 1846 في لبنان ، ونظام 1860 ، كانت المادتان الخامسة والسادسة فيهما تنصّان على إلغاء جميع الإمتيازات الإقطاعية والطائفية ، وفي سنة 2023 أي بعد 1160 عاماً لا يـزال النظام الإقطاعي والطائفي في لبنان قائماً وقاعداً ..؟
تصَّوروا … في سنة 1873 وعلى عهد المتصّرف رستم باشا كيف شاع المثل القائل : هنيئاً لمـن لـه مرقد عنزة في جبل لبنان ، وفي عهد باشاوات 2023 لم يعد يملك اللّبناني في لبنان لا مرقـد ولا عنـزة.
وهل تستغربون .. إنْ كان هذا اليأس الفاحش قد جعل الناس يترحّمون على عهود : المتصرفية والإنتداب والوصاية والإحتلال …؟
هل كان لبنان في ظلّ الإحتلال العثماني – على أشـدِّهِ ظلامةً – أسوأ مـما هو عليه اليوم …؟
ألَـمْ يكن عهـدُ المتصرفية – على أغراضه المشبوهة – عهـدَ إنجازات في ظـلِّ حاكمٍ كاثوليكي عثماني …؟
ألـمْ تكنْ عندنا في عهد الإنتداب الفرنسي – على مساوئه – طبيعةُ حياةٍ وعيشٍ وعمران …؟
وفي ظلّ الوصاية السورية – على هيمنتها – كان عندنا رئيس وحكم وحكومات ، وإنْ كانت أشبهَ بالطائرات السورية المسيّرة.
مع هذه الصورة القاتمة والمنظومة الحاكمة ، ماذا بقيَ من لبنان التاريخي الذي يحمل في دمـه براعمَ الحضارة في هذا الشرق ..؟
وماذا بقي من لبنان الدولة والوطنية والكيان والسيادة ، التي راح مَـنْ راح يقامر بها حتى ولو خسرَ وطناً ليربح الكرسي …؟
كلّ حـدثٍ عندنا : تشريعي قانوني قضائي إجتماعي مالـي إقتصادي معيشي ، أصبح يجمع في شرارةٍ واحدة نزعـةَ وصاية وتقسيم.
وماذا بقي لهذا الشعب ، في دولةٍ أصبح حطامُها كفَناً لأحيائها …؟
يقول الفيلسوف الفرنسي : “جان بودين” “إنّ الجماعة مثل الحيوان إذا شعرت بأنّها مهدّدة في حياتها فإنها ستدافع عن نفسها بكل الوسائل حتى بالعنف”.
في تاريخ الشعوب : ولا مـرّة كانت جماعة “حيوان الشعب” ، فريسة دائمة لحيوانات السلطة.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.