صندوق النقد الدولي.. باب من الرحمة وباب من العذاب

آخر تحديث : الخميس 3 أغسطس 2023 - 11:50 صباحًا
صندوق النقد الدولي.. باب من الرحمة وباب من العذاب
فاطمة خليفة:

>> سياسات الصندوق موحدة لا تفرق بين دول غنية ودول نامية ولا طبيعة اقتصاد الدول المقترضة

>> هناك دول اقترضت من الصندوق وتحملت قسوة التنفيذ وفي النهاية تغلبت على أزماتها وتعافت من أمراضها الاقتصادية.. ودول أخرى تسبب الصندوق في تفاقم أزماتها الاقتصادية

>> برامج الصندوق في أغلب الأحيان تحدث تغيرا في الهرم الاجتماعي ونزول أفراد من طبقة إلى طبقة أخرى

>> الحكومات تلعب دورا كبيرا في إنجاح أو إخفاق برامج الصندوق

>> الصندوق يتحيز إلى دول بيعنها وتجاربه مؤلمة مع الدول الأفريقية

>> الصندوق منح أوكرانيا 15.6 مليار دولار وهي في حالة حرب وغير موثوق في قدرتها على السداد

>> أحد رؤساء الصندوق السابقين شبهه بالمطافئ فهو يأتي ليطفئ الحرائق ولا يهمه من أشعلها

>> التجربة الماليزية تستحق أن تكون نموذجا للدول التي تستطيع الابتعاد عن الصندوق

تشكل مساعدات صندوق النقد الدولي في ظاهرها بعدا إنسانيا، ولكن في الواقع تتشكل غالب ضحايا هذا الصندوق وأهدافه الإصلاحية من الفقراء فقط. الصندوق الذي أسس من أجل مساعدة الدول الأكثر فقرا للقضاء على الفقر، قضى على حياة الفقراء ودمرها!!

وحين نرى شروط الصندوق وبرامج الإصلاح الاقتصادية التي يطلبها من الدول المقترضة يتبادر إلى ذهن الناس أسئلة كثيرة أهمها: لماذا يشترط هذا الصندوق الغني الذي أنشىء من أجل مساعدة الدول الفقيرة أن تتخلى هذه الدول عن مساعدة مواطنيها الفقراء؟

تستعرض “العربي الأفريقي” تجارب الصندوق المتنوعة مع الدول المتعثرة من خلال تحليلات الخبراء الاقتصاديين.

وعن تجارب بعض الدول الأفريقية مع صندوق النقد الدولي يقول دكتور كريم عادل رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية: يتوقف مدى نجاح الدول المختلفة في تجربتها مع صندوق النقد الدولي على مجموعة من المحددات والمقومات، يأتي على رأسها الأوضاع الاقتصادية والسياسية لكل دولة والتي يتحدد على أساسها حجم الإصلاحات المالية المطلوب إجراءها، والتي بطبيعتها يكون لها تأثيرات عديدة على المواطن والاقتصاد، وكذلك قدرة الأوضاع السياسية على التنفيذ، خاصةً وأن سياسات صندوق النقد الدولي موحدة لا تفرق بين دول غنية ودول نامية، ولا تفرق بين مدى قبول اقتصاد الدولة لحجم وطبيعة الإصلاحات المطلوب تنفيذها من عدمه، وهو الأمر الذي يتعذر معه النجاح ووحدة النتائج على مستوى كافة الدول المقترضة.

دكتور كريم عادل رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية

ويضيف د كريم : دلالة ذلك أن تجارب الصندوق مع الدول المختلفة اختلفت في نتائجها، حيث أن بعض الدول أخذت قروضا وتحملت قسوة التنفيذ لكنها في النهاية تغلبت على أزماتها وتعافت من أمراضها الاقتصادية المزمنة، لكن بعض الدول الأخرى تسبب برنامج الصندوق في تفاقم أزماتها الاقتصادية ودخلت في نفق مظلم من المشكلات الاقتصادية المدمرة التي لم تستطع حتى يومنا هذا الانتهاء منها، وأيضاً دول أخرى رفضت البرنامج الذي قدمه الصندوق ولجأت إلى حلول داخلية خارج الصندوق، وهي حلول راعت فيها الوضع السياسي والإقتصادي في البلاد ، فالأمر ليس مرهون فقط بأوضاع اقتصادية ولكن يمتد أيضاً إلى الأوضاع السياسية .

هل تشترط برامج صندوق النقد الدولي الإصلاحية التخلي عن الفقراء؟

في هذا الصدد يقول د. كريم: ثبت أن البرنامج الذي يضعه الصندوق غالباً ما تكون نتائجه مؤلمة وموجعة للطبقة الكادحة، بل ويترتب عليه تغيرات في الهرم الإجتماعي ونزول أفراد من طبقة إلى طبقة أخرى أدنى منها ، وهو ما يضع الدولة في مواجهة لا تُحمد عقباها مع هذه الطبقة التي تشكل الأغلبية العظمى في المجتمع، وبالذات في الدول التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار السياسي أو القدرة على السيطرة عليه.

ويضيف د. كريم: مما تقدم، فإن صندوق النقد الدولي نجح في علاج بعض الأزمات الاقتصادية، لكنه بنسبة أكبر أخفق في بعضها الآخر ، وإن كان للحكومات دور مهم في إنجاح أو إخفاق برنامج صندوق النقد الدولي، إلا أن الأمر يظل يتطلب تنوع من الصندوق في برنامج الإصلاح الاقتصادي المقرر حسب طبيعة كل دولة اقتصادياً وسياسياً، مع ضرورة وجود مرونة في تغيير حدة الإصلاحات المطلوبة خلال فترة تنفيذ البرنامج وفقاً لحجم التأثيرات الاقتصادية والتغيرات السياسية وأيضاً الأزمات العالمية التي أصبحت محدد أساسي في قدرة الدول على تنفيذ البرنامج وأحد أهم أسباب أزماتها.

وحل تجارب الصندوق في الدول الأفريقية يقول د. كريم : تجارب صندوق النقد في إفريقيا خير دليل على عدم صحة سياسته معها ولعلها تناقض السياسات التي تعد أحد مقومات نجاح التنفيذ والتجربة هي السبب الرئيسي في نجاح تجاربه مع دول أسيا وأمريكا دون غيرها في إفريقيا، فعلى سبيل المثال تشدد سياسات الصندوق مع السودان وامتناعه في فترة عن إقراضها لعلاج مشكلاتها ، وعدم منحها قرض جديد إلا بعد موافقة 101 دولة مانحه على ضمان سداد ديونها وكان ذلك بحجة عدم الاستقرار السياسي والإقتصادي واحتمالية عدم القدرة على السداد يثبت صحة ذلك .

ويكمل: السياسات تحتاج إلى تقييم وإعادة نظر، ويجب النظر إلى الدول النامية والققيرة في إفريقيا بأنها ذات ظروف استثنائية وطبيعة مختلفة يجب أن يحقق الصندوق أهدافه فيها باعتبارها هي الهدف الأساسي من إنشائه وإقراضه.

وينوه د. كريم: يجب على صندوق النقد الدولي مراعاة عدالة الشروط في الإقراض فيما بين اقتصادات الدول المتقدمة والدول النامية، حيث وجدنا إقراض الصندوق لدولة أوكرانيا بمبلغ 15.6 مليار دولار وهي في حالة حرب وأزمة اقتصادية وسياسية داخلية ولديها احتمالية عدم القدرة على السداد ، بل وامتدت تأثيرات حربها مع روسيا على كافة اقتصادات دول العالم ، في حين أن الصندوق يرفض إقراض الدول النامية التي في حالة حرب أو عدم استقرار سياسي أو تشهد تراجع في معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة بها، مبرراً ذلك باحتمالية عدم قدرتها على السداد والوفاء بالتزاماتها تجاهه. ويؤكد د.كريم أن الأمر يحتاج إلى مراجعة سياسات ووحدة تطبيق ومرونة في التنفيذ حتى يتحقق الهدف من إنشاء الصندوق والاقتراض منه وهو مساعدة الدول على حل مشكلاتها الاقتصادية وألا يكون سبباً في تفاقمها .

وأخيراً، يقول د.كريم: يجب على الدول التي تمتلك أدوات تمكنها من معالجة مشكلاتها الاقتصادية دون الحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أن تعمل على الاستغلال الأمثل لمواردها وتوظيف ما لديها من أدوات في معالجة سياستها المالية والإنتاجية دون الحاجة إلى الاقتراض من الصندوق، كما حدث في ماليزيا في عهد مهاتير محمد، والتي تعد النموذج الذي يمكن الاقتداء به في علاج الأزمات الاقتصادية بعيداً عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

صندوق النقد أغرق دول أمريكا اللاتينية في بحر من الديون

ويقول دكتور كمال حطاب استاذ الاقتصاد الاسلامي بجامعة الكويت: لا شك أن الدول النامية والفقيرة لن تنجح مع الخطط الإصلاحية لصندوق النقد الدولي، فقط الدول الغنية يمكن ان تنجح لأنها تستطيع السداد بالإضافة إلى أن الصندوق غالبا يحابي الدول الصناعية الغنية.

ويضيف “حطاب”: يمكن اعتبار الصندوق مدير استثمار يستثمر أمواله ليحقق أرباحا للدول الغنية، فهو لديه خبراء يساعدون الدول المقرضة ببعض المقترحات التي تساهم في سداد القرض مثل الخصخصة وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي وتمكينه من الاستيلاء على ثروات الدولة وبالتالي لا يمكن القول بأنه يستهدف الفقراء ولكنه يقدم قروضا للدول النامية، وهذه الدول عليها أن تسدد القروض بالفوائد وهذا غالبا سيكون على حساب الفقراء من خلال ترشيد الإنفاق وإلغاء المعونات ورفع الدعم عن السلع الأساسية حتى يستطيعون سداد القروض والفوائد.

دكتور كمال حطاب استاذ الاقتصاد الاسلامي بجامعة الكويت

وعن البعد الإنساني الذي ينبغي أن يأخذه الصندوق في الاعتبار يقول “حطاب”: الصندوق هنا أشبه بالمطافىء يأتي ليطفئ الحرائق ولا يهمه من أشعلها وهذا تشبيه لأحد رؤساء الصندوق السابقين؛ إذ أن الصندوق لا يعير أي اهتمام للبعد الإنساني بل هو يتعامل بمنطق حساباتي بحت، فعلى من اقترض أن يسدد في الوقت المحدد وإلا ستضاعف الفوائد وهذا بالضبط ما حدث في دول أمريكا اللاتينية التي خضعت لبرامج الإصلاح الاقتصادي للصندوق.

وعن تجربة صندوق النقد الدولي مع دول شرق آسيا تقول الباحثة الاقتصادية د. نوال عبد المنعم: من المعروف أن صندوق النقد الدولي يمارس ضغوطاً مخيفة على الدول المقترضة في توجيه سياسة هذه الدول اقتصاديا وسياسيا، وأستطيع أن أعطي مثلا بارزا، لدولة واجهت تلك الضغوط، وبالتحديد ما قامت به ماليزيا من إجراءات يمكن أن تكون مثلاً يحتذي به في كثير من دول العالم.

الباحثة الاقتصادية د. نوال عبد المنعم

ففي عام 1997 ضربت دول جنوب شرق آسيا أزمة مالية كبيرة كادت تعصف بالإنجازات التي حققتها هذه الدول على مدار السنوات السابقة، ودونا عن جميع دول هذه المجموعة، انفردت ماليزيا بعلاج الأزمة دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو البنك الدولى، واستطاعت الخروج منها فى ظرف سنتان أكثر قوة وصلابة دونا عن باقى الدول التى أصابتها الأزمة .

وأوضحت “عبد المنعم”: أن ماليزيا عالجت الأزمة بأجندة وطنية بنسبة 100% معتمدة على مواردها وسياستها الخاصة النابعة من ذاتها؛ حيث اتخذت مجموعة من الإجراءات الحمائية العاجلة أطلق عليها “نظام التحكم والسيطرة بالتبادل الانتقائي غير التقليدى”، استطاعت من خلالها التغلب على الأزمة، وتحقيق أفضل أداء اقتصادى فى دول جنوب شرق آسيا.

ولفتت “عبد المنعم” الانتباه إلى أن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن الصادرات الماليزية نمت خلال عام 1999 بنسبة 15% عما كانت عليه عام 1998 والتي بلغت نحو 84.5 مليار دولار، كما وصلت قيمة الواردات نحو 65.5 مليار دولار بزيادة 33.3% عن عام 1997.

في النهاية كشفت “عبد المنعم” أن الاقتصاد الماليزي استطاع أن يخرج من معدل انكماش يساوي 7.4% ليحقق نمواً قدره 5.4% كما استطاعت ماليزيا أن تواجه الضغوط التضخمية بقدر كبير من النجاح، حيث انخفض معدل التضخم عام 1999 إلى 2.1 من 5.6 عام 1998، واستقر سعر صرف الرنجيت وسوق الأسهم استقراراً مقدراً، وبشكل عام ظهرت علامات واضحة نحو التحول للأفضل، فقد انتعشت الأعمال التجارية، وارتفعت أسعار الأسهم، وانخفضت الديون المعدومة بعدما استعادة الشركات والبنوك عافيتها ثانية، كما أمكن من خلال عودة الرينجت الماليزي للوطن من إعادة رسملة البنوك وشراء الديون المعدومة بدون قروض أجنبية، وارتفع الاحتياطي الأجنبي بنسبة 35% في غضون أربعة أشهر من 20 بليون إلى 27 بليون دولار أمريكي.

رابط مختصر
2023-08-03 2023-08-03
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر