الإعلام الجماهيري و الخطاب القرآني!

آخر تحديث : الأحد 6 أغسطس 2023 - 11:11 صباحًا
بقلم: إبراهيم الصياد
بقلم: إبراهيم الصياد

لم يكن القرآن الكريم كتابا مقدسا فقط يتناول العبادات والمعاملات بين البشر إنما عالج كل القضايا الدينية والدنيوية على حد سواء برؤية استشرف فيها المستقبل بالقياس الى تاريخ نزوله قبل اكثر من ١٤٤٥ عاما ويعتبر الإتصال من الموضوعات التي خرجت من ثناياه فكرة الإعلام الجماهيري Mass Media وعلى وجه الخصوص نقل الخبر وسبق كل مدارس الاعلام والنظريات الحديثة في علوم الاتصال ! إن كل قواعد العمل التي تعلمتها وعلمتها بالأخبار موجودة بالقران هذا ما اكتشفته كلما اعدت قراءته مرات ومرات.

فإذا راجعناه بتأني سنجد من الآيات التي ذكرت مفردات تتعلق بصميم الإعلام مثل:

▪️ النبأ ▪️البلاغ ▪️الأخبار ▪️البيان ▪️اليقين ▪️الاذاعة ▪️الاستماع

ونبغي ان نتوصل إلى علاقة الإعلام المهني الصادق بتعاليم المدرسة القرآنية بشكل مباشر أو غير مباشر .

– التدقيق والتبيان :

واسمحوا لي ان اصطحبكم في رحلة مع آيات من القرآن عن كيفية صنع الخطاب الإعلامي وبصفه خاصه في جانبه الخبري.

ونبدأ بالآية التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( الحجرات 6 ).

آية قرآنية لها معنى عميق لفهم أهمية قيمة الدقة Accuracy في نقل الأخبار الأمر الذي يقف حائلا دون تسرب الأخبار الكاذبة ويقوم بوأد الشائعات في مهدها وهنا يعتبر البيان هو أعلى خبر من حيث الصدق لأنه لا يذاع إلا بعد تدقيقه ويصبح التبين أو التحقق من صحة الخبر مهمة المرسل سواء كان مذيعا أو محررا أو مراسلا وهو صلب العمل الاخباري !

واذا درسنا (حادثة الإفك) نجدها مثالا لكيفية بناء الشائعة وفي سورة النور يقول الله سبحانه وتعالى عن الخبر الكاذب Fake News : إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ . هوَ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـذَا سُبْحَانَكَ هَـذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . (النور 15و 16 ) إذن تناول القرآن فكرة ترديد الشائعة و وصفها بالبهتان اي بالكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، و اِخْتِلاَقُ الكَذِبِ! وهذا ما أردنا ابرازه في الآية :

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوْهُ قُلْتُمْ مَا يَكُوْنُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ (هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيْمٌ). – النشر والإذاعة :

و يقول الله سبحانه وتعالى : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء 83) وذكرت الآية الفعل ( يستنبط ) اي يستخرج وتلك إشارة واضحة الى ما يسمى اليوم التفاعلية مع الأحداث interactivity لأن الذي يقوم بالاستخراج هو المتلقي !

وعليه إن الأصل في الأشياء نشرها أو إذاعتها ولكن وفق قواعد نقول عنها ( السياسة التحريرية) من المفترض إذا جاءك اي خبر يجب أن ترده إلى مصدره الموثوق فيه حتى تكون صياغته سليمه ولا خلط فيه ولا تضليل ينحرف به عن غايته في وصول المعلومة الصحيحة للمتلقي.

وفي سورة الزلزلة يقول الله سبحانه وتعالى:

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا صدق الله العظيم اذن حديث الأخبار أو كما هو شائع نشرة الأخبار News Bulletin تعد اساس نقل المعرفة بالحدث .

– النبأ والخبر :

ونتحول الي أية أخرى لها علاقة بالدقة Accuracy والسبق exclusivity في آن واحد !

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ( النمل 22 ).. إنها آية قرآنية توضح أساسا مهما في الأخبار وهو نقل الأنباء من مكان لآخر وهو ما يعرف بشبكة المراسلين.

ومع التطور في مجال الاتصال وتعدد مصادر الأخبار ثبت ان وظيفة المراسل هي الاكثر اعتمادا في تتبع الحدث لانه يأتي بالاخبار الموثوق فيها أو تلك التي ترقى لدرجة اليقين و بالرغم من اللغة الانجليزية لا تفرق بين الخبر والنبأ بمعنى News item

أما في اللغة العربية نعتقد انه لابد ان نفرق بين النبأ والخبر فهناك تفسير يقدم النبأ على الخبر من حيث الزمن بمعنى ان كل نبأ ليس بالضرورة ان يصبح خبرا لكن كل خبر لابد ان يكون في بدايته نبأ أو ما يعرف في لغة الأخبار ب Breaking News بعبارة اخرى إن الخبر في عرف العاملين بمجال الأخبار هو النبأ اليقين دون الدخول في متاهات لغوية بين المعنيين من وجهة نظري.

وإن كان هناك رأي يرى ان النبأ أقوى من الخبر والرد على هذا الرأي قوة النبأ في توقيته وليس في درجة مصداقيته و بعض الانباء تتردد ثم يثبت عدم صدقها لكن الخبر له معايير أو catogries وما لا تنطبق عليه المعايير لا يعد خبرا !

– الرسالة إلاعلامية :

ونصل إلى آية تتعامل مع المعلومة فالعلم او المعرفة هي التي تصنع للمتلقي إطاره المرجعي ومن ثم تكون العقل الجمعي للمجتمع قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ( الزمر 9 ).

َ لو تعمقنا في معنى الآية سنجد ان وعي المرء مرتبط بالمعرفة أو العلم ولكي يعلم المرء لابد من تفاعله بدرجة ما مع ما يتلقاه من معلومات حتى يحصل على درجات الفضل من الله، ولا وعي بمعنى الإدراك بدون إعلام وتعليم وحتى نبني الوعي يجب ان يكون الاعلام صادقا وهنا يأتي التذكر المعرفي الذي يظل مرتبطا بالاستيعاب العقلي للاشياء أو ما قال عنه الله سبحانه وتعالى إنما يتذكر (أولو الألباب) . – خلاصة القول …

إن القرآن الكريم وهو كتاب سماوي سبق علماء الجماهيري المحدثين في رصد قيم ومفردات الإعلام Media Values &Terminologies وهي التي لاتخلو منها اي سياسة تحريرية في عالم اليوم ! ‌

*كاتب المقال: رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالتليفزيون المصري.

رابط مختصر
2023-08-06
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر