المسؤولون في لبنان مهووسون بالزحف إلى الكراسي ، والزحف السوري وغير السوري في لبنان ، بات يشكّل نصف السكّان ، ومع القريب الآتي من الزمان لن يبقى في لبنان : لا لبنان ولا الكراسي .
يا ضيفَنا لوْ زرْتَنا لوجَدْتَنا نحنُ الضيوفُ وأنتَ ربُّ المنزلِ .
الذين يتباكون اليوم على الزحف السوري الذي يهدّد لبنان بالخطر الوجودي ، أين كان “وجودُهم” يوم كانوا في الحكم ، وكان النزوح ، وكانوا كأنّهم لم يكونوا …؟
ويوم راحت دولة قبرص ، تطرح الصوت محـذّرةً الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من خطورة تدفّق النازحين السوريين إلى لبنان ، لم نجدْ في لبنان أيَّ “قبرصيٍّ” بلغتْ عنده حرارةُ القلق على لبنان كمثل ما قلقتْ عليه قبرص .
هل يدرك الغرب ، وتحديداً أوروبا : أنّ تفجير لبنان السيادي والمجتمعي ، يشرّعُ “طريق الحرير” نزوحاً إلى العالم الغربي ، وعندما تنهار صيغةُ لبنان الحضارية ، هل يدرك الغرب أنّ الخطر عليه يصبح أكثر من النزوح إليه …؟
في أحد اللقاءات التي جمعتني بالرئيس حافظ الأسد ، شاء أنّ يعبّر عن العلاقة الحميمة “والمميّزة” التي تربط السوريين باللبنانيين ، ولا سيما على المستوى الأُسَري فقال : إنّ هناك ألوفاً مؤلّفة من السوريين والسوريات واللبنانيين واللبنانيات تجمعهم وحدة عائليّةٌ بالزواج ، ما ليس بينهم وبين أيّـة دولة عربية أخرى ، حتى أنّ التكوين الجغرافي والإجتماعي يجعل من اللبنانيين والسوريين شعباً واحداً في دولتين ..
ولم يكنْ يخطر في بـال الرئيس حافظ الأسد أن يكون هناك نزوحٌ سوريّ إلى لبنان بالملايين ، ما يجعل السوريين واللبنانيين شعباً واحداً في دولة واحدة .
ولم يكن يخطر بالبال أنّ العلاقة المميّزة بين لبنان وسوريا ، قد تتخطّى حدود الشقيقين وقرابَـةَ الجـارِ بالجـار بحسب التعبير الجغرافي ، أو حتى التعبير الكهنوتي ، حين كانت وصيّـة المسيح : “أحببْ قريبَكَ كنفسك”… والنبيُّ أوصاهُ جبريل بالجار حتى ظَـنّ أنّـه سيورثه … وهذا لا يعني أن يعيش الجاران في غرفة واحدة ، والغرفة الواحدة تصبح عرضةً للمحَّرمات .
الزحف السوري العظيم يتواصل إلى لبنان ، والشعب اللبناني العظيم يواصل الزحف إلى بلاد الإغتراب ، فيتفرّغ لبنان من طاقاته الفاعلة وشبابه الواعد بما يهدّد محتواه الكياني والحضاري والسيادي .
والزحف السوري إلى لبنان ينقل الأزمة السورية السياسية والمعيشية والأمنية ، إلى الأزمة اللبنانية السياسية والمعيشية والأمنية ، ويزحفُ معه الفقر والجـوع والكبْتُ والتشرّد ، فإذا في لبنان جُـزرٌ من المخيمات تُرتكب فيها المحرّمات ، وتتسلّلُ منها جرائم القتل والسلب والخطف والإغتصاب والتزوير والتهريب … والجريمة الفردية تستدرج الجريمة الجماعية ، والجماعية تستدرج الجريمة السياسية ، إلى الجريمة الوطنية والخطر الوجودي .
الخطر الوجودي ، يتفاقم في لبنان عبر المضاربة السورية بالسكن والعدد والولادات ، وبالمنافسة في سوق العمل والتسويق والغذاء والطبابة والرغيف والدواء والمـاء والكهرباء ، وشتّى القطاعات التعليمية والإدارية والصناعية والتجارية والمهن الحرّة .
يكفي أن نُشير إلى بعض النماذج الخاطفة :
تقريرٌ أمني يذكر أن هناك 3000 مؤسسة سورية في البقاع الأوسط وحده …
محافظ البقاع يعلن أن هناك 300 مخيّم في منطقة زحلة وحدها …
محافظ بعلبك يصرّح بأن عدد السكان السوريين في بعلبك يفوق عدد اللبنانيين يما يزيد عن المئـة ألف نازح .
حاكم مصرف لبنان بالإنابة يفيد بأنّ تكلفة استضافة السوريين تُقدّر بحجم الفجوة المالية أي 70 مليار دولار … هذا إل جانب ما تواجهه السوق اللبنانية من انتشار واسع للبضائع السورية المهرّبة عبر الحدود الفالتة .
يـوم كان على رأس الحكم في سوريا الرئيس خالد العظم ، شنَّ حملة شعواء على لبنان ، فسنَّ قانوناً يضع شروطاً قاسية على سفر السوريين إلى لبنان ويمنع انتقال البضائع من لبنان وإليه .
لو كان خالد العظم حيّاً لكان اليوم من حيث لا يدري يشنّ حملـةَ إحياءٍ للبنان ، مع أنّ خالد العظم فـرّ نازحاً من سوريا ، وفي بيروت مـات ، ولم يُسمح لذويـهِ بأن ينقلوا جثمانه إلى دمشق فدُفِـن في لبنان .
والخلاصة : إذا لم تتـمّ معالجة الخطر الوجودي ، فقد يُخشى أنْ يصبح لبنان مدفَناً للسوريّين واللبنانيّين معاً .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.