.. وأنتَ ربُّ المنزلِ

آخر تحديث : الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 8:44 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

المسؤولون في لبنان مهووسون بالزحف إلى الكراسي ، والزحف السوري وغير السوري في لبنان ، بات يشكّل نصف السكّان ، ومع القريب الآتي من الزمان لن يبقى في لبنان : لا لبنان ولا الكراسي .

يا ضيفَنا لوْ زرْتَنا لوجَدْتَنا نحنُ الضيوفُ وأنتَ ربُّ المنزلِ .

الذين يتباكون اليوم على الزحف السوري الذي يهدّد لبنان بالخطر الوجودي ، أين كان “وجودُهم” يوم كانوا في الحكم ، وكان النزوح ، وكانوا كأنّهم لم يكونوا …؟

ويوم راحت دولة قبرص ، تطرح الصوت محـذّرةً الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من خطورة تدفّق النازحين السوريين إلى لبنان ، لم نجدْ في لبنان أيَّ “قبرصيٍّ” بلغتْ عنده حرارةُ القلق على لبنان كمثل ما قلقتْ عليه قبرص .

هل يدرك الغرب ، وتحديداً أوروبا : أنّ تفجير لبنان السيادي والمجتمعي ، يشرّعُ “طريق الحرير” نزوحاً إلى العالم الغربي ، وعندما تنهار صيغةُ لبنان الحضارية ، هل يدرك الغرب أنّ الخطر عليه يصبح أكثر من النزوح إليه …؟

في أحد اللقاءات التي جمعتني بالرئيس حافظ الأسد ، شاء أنّ يعبّر عن العلاقة الحميمة “والمميّزة” التي تربط السوريين باللبنانيين ، ولا سيما على المستوى الأُسَري فقال : إنّ هناك ألوفاً مؤلّفة من السوريين والسوريات واللبنانيين واللبنانيات تجمعهم وحدة عائليّةٌ بالزواج ، ما ليس بينهم وبين أيّـة دولة عربية أخرى ، حتى أنّ التكوين الجغرافي والإجتماعي يجعل من اللبنانيين والسوريين شعباً واحداً في دولتين ..

ولم يكنْ يخطر في بـال الرئيس حافظ الأسد أن يكون هناك نزوحٌ سوريّ إلى لبنان بالملايين ، ما يجعل السوريين واللبنانيين شعباً واحداً في دولة واحدة .

ولم يكن يخطر بالبال أنّ العلاقة المميّزة بين لبنان وسوريا ، قد تتخطّى حدود الشقيقين وقرابَـةَ الجـارِ بالجـار بحسب التعبير الجغرافي ، أو حتى التعبير الكهنوتي ، حين كانت وصيّـة المسيح : “أحببْ قريبَكَ كنفسك”… والنبيُّ أوصاهُ جبريل بالجار حتى ظَـنّ أنّـه سيورثه … وهذا لا يعني أن يعيش الجاران في غرفة واحدة ، والغرفة الواحدة تصبح عرضةً للمحَّرمات .

الزحف السوري العظيم يتواصل إلى لبنان ، والشعب اللبناني العظيم يواصل الزحف إلى بلاد الإغتراب ، فيتفرّغ لبنان من طاقاته الفاعلة وشبابه الواعد بما يهدّد محتواه الكياني والحضاري والسيادي .

والزحف السوري إلى لبنان ينقل الأزمة السورية السياسية والمعيشية والأمنية ، إلى الأزمة اللبنانية السياسية والمعيشية والأمنية ، ويزحفُ معه الفقر والجـوع والكبْتُ والتشرّد ، فإذا في لبنان جُـزرٌ من المخيمات تُرتكب فيها المحرّمات ، وتتسلّلُ منها جرائم القتل والسلب والخطف والإغتصاب والتزوير والتهريب … والجريمة الفردية تستدرج الجريمة الجماعية ، والجماعية تستدرج الجريمة السياسية ، إلى الجريمة الوطنية والخطر الوجودي .

الخطر الوجودي ، يتفاقم في لبنان عبر المضاربة السورية بالسكن والعدد والولادات ، وبالمنافسة في سوق العمل والتسويق والغذاء والطبابة والرغيف والدواء والمـاء والكهرباء ، وشتّى القطاعات التعليمية والإدارية والصناعية والتجارية والمهن الحرّة .

يكفي أن نُشير إلى بعض النماذج الخاطفة :

تقريرٌ أمني يذكر أن هناك 3000 مؤسسة سورية في البقاع الأوسط وحده …

محافظ البقاع يعلن أن هناك 300 مخيّم في منطقة زحلة وحدها …

محافظ بعلبك يصرّح بأن عدد السكان السوريين في بعلبك يفوق عدد اللبنانيين يما يزيد عن المئـة ألف نازح .

حاكم مصرف لبنان بالإنابة يفيد بأنّ تكلفة استضافة السوريين تُقدّر بحجم الفجوة المالية أي 70 مليار دولار … هذا إل جانب ما تواجهه السوق اللبنانية من انتشار واسع للبضائع السورية المهرّبة عبر الحدود الفالتة .

يـوم كان على رأس الحكم في سوريا الرئيس خالد العظم ، شنَّ حملة شعواء على لبنان ، فسنَّ قانوناً يضع شروطاً قاسية على سفر السوريين إلى لبنان ويمنع انتقال البضائع من لبنان وإليه .

لو كان خالد العظم حيّاً لكان اليوم من حيث لا يدري يشنّ حملـةَ إحياءٍ للبنان ، مع أنّ خالد العظم فـرّ نازحاً من سوريا ، وفي بيروت مـات ، ولم يُسمح لذويـهِ بأن ينقلوا جثمانه إلى دمشق فدُفِـن في لبنان .

والخلاصة : إذا لم تتـمّ معالجة الخطر الوجودي ، فقد يُخشى أنْ يصبح لبنان مدفَناً للسوريّين واللبنانيّين معاً .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2023-10-06
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر