طوفان الأقصى.. جريمة في حب فلسطين

آخر تحديث : الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 11:37 صباحًا
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

لم تكن العملية التي باغتت بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دولة الاحتلال الصهيوني، يوم السابع من أكتوبر الجاري، إلا حلقة من حلقات المقاومة المستمرة لاسترداد أرض فلسطين من الغاصبين، وباعثا جديدا للتذكير بالقضية الفلسطينية بعد أن أهملناها وانقطعت أخبارها منذ عدة سنوات، حتى ماتت في نفوسنا!!!

نعم، ماتت القضية الفلسطينية في نفوسنا، ولم نعد نعلم عنها شيئا، سوى مصطلحات قديمة تترجم مدى الذل والهوان الذي نعيشه ويتجرعه أبنائنا وأبناء الأجيال الحديثة، حتى ظننا أن كراهية إسرائيل لم تغرس في نفوسهم كما تجرعناها نحن من أثداء أمهاتنا، لكن “طوفان الأقصى” كشف عن الكراهية الفطرية في نفوس أبنائنا تجاه الكيان الغاصب لأرض فلسطين؛ فاطمئنت قلوبنا أن كراهية بني صهيون قائمة في نفوس الأبناء، وأنها مستمرة إلى يوم الدين.

ولكل العالم وبعض من بني جلدتنا (للأسف) الذين يرون في دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وحقهم في وطنهم أنه جريمة وإرهابا لدولة الاحتلال الصهيوني الذي يغتصب الأرض والكرامة.. إلى كل هؤلاء نؤكد لهم أن عملية “طوفان الأقصى” وكل عملية مقاومة في وجه محتلٍ غاصبٍ، ما هي إلا جريمة في حب فلسطين وحب كل وطن حر.

ما حدث يوم السابع من أكتوبر 2023 غير موازين القوى في المواجهة بين فلسطين والعدو المحتل، وبات مؤشرا مغايرا لأهداف المقاومة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، كما أنشأ هذا الهجوم اهتماما بارزا على المستوى السياسي، والإعلامي، والشعبي للقضية الفلسطينية التي كانت في طي النسيان لسنوات طويلة في الألفية الجديدة، بعد أن كانت تتصدر اهتمامات مختلف الصحف والمحطات التليفزيونية في العالم العربي، لتأتي قضايا إقليمية وعالمية لتغطي على غطرسة الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

إن ما حدث أيقظ لهيب “الإنسانية” ليس في قلوب الشعوب العربية والإسلامية فقط، بل في كل دول العالم.. فقد رأينا طوفانا من تظاهرات عدة في مختلف الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لمساندة الشعب الفلسطيني، لدرجة قيام عدد من موظفي وزارة الخارجية الأمريكية استقالاتهم بسبب تلك المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال والتي راح ضحيتها غالبية من الأطفال والنساء ردا على هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر.

ويأتي الاعتداء الغاشم على مستشفى المعمداني الأهلي في غزة ليطيح بخمسمائة ضحية دفعة واحدة؛ ليترجم عنوان الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه قوى الاحتلال ضد شعب أعزل لا يملك سوى الإيمان بحق وجوده في وطنه.

وبكل تبجح نرى مواقف أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا مؤيدة لدولة الاحتلال ويرون أن ما يقومون به يمثل حق الدفاع عن نفسها في مواجهة ما أسموه “إرهاب حركة حماس”.

وهنا يجب أن نفرق ونوضح أننا إذا كنا نختلف مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الفكر والتوجه، إلا أننا في حال الحرب والمواجهة للدفاع عن الأرض العربية لا نؤيد أفكار أو عقيدة “حماس” أو حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية بقدر ما نؤيد حق الدفاع الشرعي والوطني المفروض على كل مواطن بغض النظر عن انتمائاته الفكرية أو السياسية، فالحالة الجامعة هي وجوب الدفاع عن الوطن، وحين ينتهي الأمر ويعم الاستقرار، يعود كل فريق إلى ما كان عليه من دين أو سياسة.

وإذا كنا هنا لا نجد كفاحا فلسطينيا مسلحا ضد دولة الاحتلال إلا حركة حماس، والجهاد الإسلامي.. فمن سنؤيد ضد الآلة الصهيونية المجرمة؟!! إن “طوفان الأقصى” عملية نوعية مغايرة في الحسابات العسكرية والسياسية؛ لإحياء القضية الفلسطينية والتي كانت طي النسيان.

ولأول مرة يعترف جيش الاحتلال بالمفاجأة وارتباكه أمام الهجوم الفلسطيني الذي كبد جيش الاحتلال خسائر فادحة في المعدات والأفراد لم يرها منذ إعلان دولته في 1948، ولم تحدث منذ نصر أكتوبر العظيم في 1973.

ولأول مرة، نرى هذا الفرار للمستوطنين الإسرائيليين في مطار بن جوريون، مقررين المغادرة إلى بلادهم الأصلية بلا عودة، بعد أن تيقنوا أن ما حدث قد يحدث مستقبلا، وأن مقولة السلام والاستقرار في الوطن المزعوم ما هي إلا حقائق مزيفة، فقد نزح داخل دولة الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 500 ألف مستوطن هم مهاجرون في الأصل، كما تم إخلاء مدينة سديروت بالكامل والتي تضم 20 ألف مستوطنا، ويتم حاليا إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان.

وفي ردود الفعل العربية رأينا تلاحما بين الموقفين الرسمي والشعبي بما يؤكد أن الحالة الوطنية لا يمكن إلا أن تكون مظلة جامعة موحدة لكل الأراء والاتجاهات، فخرجت عن الحكومات مواقفها الرسمية وعن الشعوب التظاهرات المؤيدة للمقاومة الفلسطينية والرافضة للعدوان الصهيوني.

وهنا تصدرت مصر الموقف على كافة الأصعدة، مدركة حجم الخطر والتهديدات والمؤمرات التي تحاك ضدها، وأن اللعبة كلها تكمن في صفقة غير مشروعة بتهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة إلى الوطن البديل في سيناء للقضاء على القضية الفلسطينية برمتها.

وقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مؤتمر للسلام، استضافته القاهرة في 21 من أكتوبر الجاري، وللأسف الشديد نجحت المجموعة الغربية في عرقلة صدور بيان ختامي للقمة يقر بالحق الفلسطيني في وجوده ومشروعية الدفاع عن نفسه في مواجهة الصلف الصهيوني، على الرغم من تجديد الدعوة من الجانب العربي بإعادة العمل على إحلال السلام بتنفيذ المبادرة العربية التي تقدم بها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وأقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، بإقامة حل الدولتين على حدود 1967ولتصبح القدس عاصمة فلسطين.

وحرص الرئيس السيسي على إظهار وتأكيد الموقف المصري النابع من عقيدته الراسخة بأن حل القضية الفلسطينية حلا جذريا هو مفتاح السلام في المنطقة، وأن مصر لن تقبل أبدا بتوطين الفلسطينيين في سيناء، ولن تفرط في شبر واحد من ترابها، كما فاجأ “السيسي” في كلمته العالم بأن عقيدة الفلسطيني لا يوجد في قاموسها مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال أو القصف.

ومن أقوى المواقف العربية بعد مصر كانت العراق والمملكة الأردنية، ففي مؤتمر قمة القاهرة للسلام كشف رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الوجه الحقيقي لحكومات الغرب قائلا: غزة تشكل اليوم امتحانا جديدا للنظام العالمي، مؤكدا أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والقضية، وليس من حق أحد أن يتصالح أو يتنازل نيابة عن الشعب الفلسطيني، فقد حان الوقت لوضع حد لهذا الاحتلال البغيض ووقف معاناة الشعب الفلسطيني. أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فقد أكد أن ما تقوم به قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني جريمة حرب وفقا للقانون الدولي، وأن دولة الاحتلال طالما بقيت دون محاسبة سنبدأ دوامة جديدة من العنف.

تصاعد الأحداث وإصرار جيش الاحتلال على تنفيذ عملية هجوم بري على قطاع غزة، بحجة القضاء على حركة حماس، لن يزيد الأمور إلا تعقيدا وتصعيدا يفرض على الجميع التصدي له. وفي استراتيجيات تقدير الموقف من قبل المجتمع الدولي نلاحظ أنهم غير مدركين حالة التوحد القائمة بين الحكام والشعوب في تلك اللحظة الفارقة، وأن أجيالا جديدة في المنطقة العربية تملك حسابات مختلفة عن ذي قبل، وحماسها منفرط ولن تقبل المهادنة، وإذا كان الدفاع عن الأرض والعرض والهوية في نظر الغرب جريمة، فهي في نظرنا أشرف جريمة في حب أوطاننا.

رابط مختصر
2023-10-24
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر