إلاّ الجيش يا سيفَ الدولة

آخر تحديث : الجمعة 1 ديسمبر 2023 - 11:05 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

يقول المتنبّي وهو يمدح سيف الدولة :

الجيشُ جيشُكَ غيرَ أنّك جيشُهُ في قلبـهِ ويمينـهِ وشمالـهِ

كـلٌّ يريـدُ رجالَـهُ لحياتـهِ يا مَنْ يريدُ حياتَهُ لرجالهِ .

هذا كان ، على عهد الملك سيف الدولة الحمداني ، أمّا على عهد سيف الدولة اللبناني ، وسيفِ الشعب اللبناني العظيم ، فكلُّ ما كان عظيماً أصبح عظاماً .

وحدَها مؤسسة الجيش بقيَـتْ محافظةً على ما تبقّى من المحرّمات الوطنية المنتهكة ، ولـوْ لـمْ ترفض قيادة الجيش تأديـةَ التحيّة خضوعاً للأهواء الشخصية ، لكانَ الشرفُ العسكري تمرَّغ في الوحل السياسي ، كمثل ما يكون الوزراء موظفين عنـدَ وليِّ النعمة يتلقّون منه الأوامر ، فيما الوزير هو حاكم ، ولا يصحّ أن يتحوَّلَ الحاكمُ إلى خادم .

نحن في زمـنٍ لا يحتمل الكثير من المُزاح … حولنا العواصف تهبّ من كلّ صوب … الدولةُ والقيادات والمسؤولون والزعامات أجسامٌ عارية في سفينةٍ تتقاذفها الأمواج ، وكلُّ سفينةٍ بلا قبطان يسطو عليها القرصان .

في ظلّ هذا النزوح السلطوي ، والتشرذم الوطني ، والفوضوية السياسية ، والغيبوبة الشرعية ، يبقى الرهان على الشعب والجيش ، فإنْ لم يكن الشعب هو جيشُ الجيش ، والجيشُ هو جيشُ الشعبِ وحزبُ الشعب وطائفةُ الشعب ، فإنّ أيَّ تجربة جديدة تعرّض الجيش للإهتزاز ، صلّوا بعدها على لبنان وسلمّوا .

يقول السيد حسن نصر الله في إطلالتة التلفزيونية بعد أحداث “الطيونة” 19/10/2021 : “يجب أن نكون حريصين على مؤسسة الجيش وهي الضمانة الوحيدة لوحدة لبنان ، إذا فَـرطَ الجيش يذهب البلد إلى حرب أهلية ، وإنّ وحدة لبنان وهوّيتَهُ في هذه المؤسسة ..”

هل يعلم الذين لم يولدوا عندما وقعت حرب 1975 ماذا حـلّ بلبنان ..؟

يوم انقسم الجيش ، أصبح الوطن أوطاناً ، وأصبحت الأرضُ شعاباً ، وأصبح الشعب شعوباً ، وأصبحت بيروت شرقيةً وغربية ، وأصبحت الدولة مزرعة تتقاسمها الميليشيات .

والذين جعلوا من أنفسهم عسكريين بلباس مدني ، ومدنييّن بلباس عسكري ، على أكتافهم النجوم وفي أيديهم السيوف ، أصبحوا في غياب الجيش منجمّين بلا نجوم وتحوّلت السيوف في أيديهم إلى خناجر .

والذين عرّضوا الجيش اللبناني للإنقسام في محنـة 1975 ورشقوه بالسهام المسمومة لم يجدوا من بعد إلاّ الجيش حامياً لأرواحهم مدافعاً عن نفوسهم محافظاً على رؤوسهم .

كلّ هزائم الدول وانقساماتها في التاريخ ، لم تنهض ولم تستقم إلاّ بواسطة الجيش ، هكذا قال في أعقاب الثورة الفرنسية أمين سرّ الجمعية الوطنية “دوبوا كرانسيه – Duboie Crancé ” : “لا تنتظروا النصر من عدد الجيوش بل من نسبة التقدم الذي تُحرزِهُ روحُ الجمهورية في صفوف الجيش ، إن وحدة الجمهورية تفرض وحدة الجيش لأن الوطن ليس لـه إلا قلبٌ واحد .”

الرئيس فؤاد شهاب كان هو الرئيس القـوي والحاكم الأقوى بفضل وحدة الجيش وعنفوان الجيش ، وبذلك استطاع أن يلتقي أكبر رئيس عربي : جمال عبد الناصر ، في تقاسم الخيمة بالتساوي بين الحدود اللبنانية – السورية ، وحين رحنا نستجدي رواتب الجيش أصبحنا نعيش تحت خيمة الآخرين .

بين جيش سيف الدولة والمتنبّي : إمّا أن يكون الجيش في الأنظمة الدكتاتورية سيفاً في يـدِ سيّـد النظام يستخدمة آلـة لقطع الألسنة وكـمِّ الأفواه وإطاحة الرؤوس ، وإمّا أنْ يكون في الدول الديمقراطية سيفَ سيادة الدولة وسيادة النظام وحامي الحضارات ، وقديماً قيل : إنَّ وراء إنتصارات الإسكندر كان دائماً “أرسطو” .

هذا الجيش قيادةً وأفراداً تُـرفَعُ لـهُ القبَّعات ، وهو لا يزال صامداً بالرغم مـمّا أصاب البلاد من مِحَـنٍ ، يؤدَّي دورَهُ بمسؤوليةٍ عالية وحُرفيّـة مسلكية مع ما يتقاضاه من هزيلِ الأَجْـرِ وما يعانيهِ من سِعَـةِ الصبر .

إنقسموا إذا شئتم حول الحكم والحكومة والإستحقاق الرئاسي ، وتقاسموا كلَّ أشلاء الدولة ، فهذه جريمة ، أمَّا أن تنقسموا حول الجيش فهذه خيانة ، وخَوَنـةُ الأوطان يُعلّقون على حبال مشانق التاريخ .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2023-12-01
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر