تأجيل أو إلغاء ديون البلدان الإفريقية.. ألم يَحِن الوقتُ لتغيير النَّهْج؟

آخر تحديث : السبت 18 يوليو 2020 - 11:36 صباحًا
تأجيل أو إلغاء ديون البلدان الإفريقية.. ألم يَحِن الوقتُ لتغيير النَّهْج؟

بقلم: روموالد واداينيي

وزير الاقتصاد والمال بجمهورية بنين

ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو

تسبَّب كوفيد-19 في ظهور إحدى أخطر الأزمات الصحية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم على مرّ التاريخ معزِّزة بذلك الصعوبات الكبيرة التي تواجهها البلدان الهشَّة عمومًا، والقارة الإفريقية على وجه الخصوص؛ نظرًا لأن الأزمة طرأت في الوقت الذي كانت ميزانيات البلدان العديدة تعاني فيه من التداعيات الرهيبة للتحدّي الأمني وتغيُّر المناخ.

في هذا السياق من الانخفاض الكبير القاسي في إيرادات الميزانية لا تزال العديد من النفقات غير قابلة للتحمُّل مثل تلك المرتبطة بتسيير مؤسساتنا، ومكافحة العديد من الأمراض المزمنة، والسعي إلى الإنفاق الاجتماعي ذي الأولوية الأخرى، والوفاء بالتزاماتنا المالية. وفي مواجهة هذه الأزمة أودّ الإشادة إلى التعبئة الدولية القوية والسريعة التي جسَّدتها الإجراءات الأخيرة المتَّخذة لصالح البلدان الفقيرة، عطفًا على اتفاق 15 أبريل 2020م في إطار مجموعة العشرين.

ومع ذلك، ألاحظ أن السياسات والآليات التي تم وضعها لدعم اقتصادات البلدان المتقدمة موجَّهة نحو تعبئة التمويل الجديد، وتوفيره الفوري بهدف احتواء الآثار الاقتصادية للأزمة، في حين أن التدابير المعتمدة لصالح إفريقيا تتلخص بشكل رئيسي إما في إلغاء الديون، أو وقف خدمة الدَّيْن العام الثنائي.

وهذه الحلول، على الرغم من تقديمها الهامش المباشر للميزانية؛ إلا أنها لا تُلبّي التحديات المذكورة أعلاه ولها عيوب كبيرة على المدى القصير والمتوسط. فمن المقرَّر أن ينمو الإنفاق الحكومي بسرعةٍ لمواجهة انتشار الوباء، على الرغم من أنه يجب علينا الاستمرار في مواجهة تحديات التنمية.

ويُضاف إلى هذه الملاحظة الانخفاض الكبير في الإيرادات الذي يُقلّل من هوامش الميزانية، فضلاً عن أن تخفيف الدَّيْن أو الوقف الاختياري يُشكّل في هذا السياق مدعاةً إلى تساهل الدائنين، ولا يوفّر حلولاً هيكلية لصعوبات الدول.

عطفًا على ذلك؛ فإن تخفيف عبء الديون، أو وقف دَفْع الاستحقاقات؛ سيزيد من تشويه صورة الدول، ويُعرقل وصولها إلى التمويل في المستقبل، وستعاني دولنا من تأثير ذلك على جودة ائتمانها ممَّا يُعرّضها لعقوبات سوقيَّة أخرى لا مفرَّ منها.

ويمكن اعتبار الوقف الاختياري في بعض القروض مِن قِبَل الدائنين من القطاع الخاص، سواء كان ذلك اختيارًا أو إجبارًا فلن يتعلق الأمر إلا بالدائنين العامّين الثنائيين فقط. وفضلاً عن أن وكالات التصنيف يمكن أن تعاقب في حال عدم احترام الموعد النهائي للقرض؛ فإن جميع الجهود التي بذلتها بلداننا لتحسين مناخ الأعمال وإدراك المخاطر المقدَّمة في تصنيفات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على وجه الخصوص، واستخدامها لتحديد معدل الاقتراض للعديد من القروض ستكون عرضةً للمحو.

وتجدر الإشارة إلى أن إلغاء الديون الذي تمَّ في العقد الماضي بعد مبادرة PPTE (البلدان الفقيرة المثقلة بالديون) تركت ذكريات سيئة على مستوى الدائنين الخاصين والمقرضين الثنائيين العامّين؛ حيث لم يَعُدْ بعضهم إلى تمويل بلداننا أبدًا إلا من خلال مِنَح التبرُّعات.

ومع ذلك، وبالنظر إلى ضعف المدخرات المحلية والقطاع الخاص؛ فإن الدَّيْن الجيّد في أفضل الظروف، من حيث التكلفة والمدة، ضروري لوضع اقتصاداتنا على مسار النمو المستدام. وفي هذا السياق، أودّ أن أذكّر بالمقترحات التالية الواردة في الرسالة التي أرسلها الرئيس باتريس تالون إلى مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:

1- المساعدة في التعبئة العاجلة للسيولة الجديدة بدلاً من إلغاء الديون أو تأجيلها:

جدير بالذكر أن الاحتياجات العاجلة التي تحتاجها إفريقيا بلغت 100 مليار دولار (بما في ذلك 44 مليار دولار لخدمة الديون)، وينبغي النظر في تخصيص حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي الذي من شأنه إيجاد استجابة سريعة وفعالة لاحتياجات البلدان الأكثر ضعفًا مع الحفاظ على استدامة ديونها.

وهذا الحل ليس جديدًا؛ حيث تم تنفيذه بنجاح خلال الأزمة المالية العالمية السابقة لعام 2008م عندما تم الإفراج عن 250 مليار دولار بسرعة، عطفًا على ذلك، فإن السيولة الكبيرة التي تم تنفيذها في العديد من المناطق الاقتصادية الكبيرة في الأيام الأخيرة آخذة في التزايد.

2- تعزيز الاقتصادات الإفريقية من خلال التمويل الميسَّر:

يتعين على المؤسسات المتعددة الأطراف والمصارف الإنمائية أن تَستخدم جودة ائتمانها لتعبئة الموارد الميسرة أو شبه الميسرة لتمويل الاقتصادات الإفريقية في الوقت الذي لا يزال فيه وصول تلك البلدان إلى التمويل بفوائد تكاد تصل إلى الصفر تقريبًا على عكس الدول الإفريقية. وبشكلٍ جماعيّ، يمكن لتلك البلدان تجميع المواصفات الائتمانية في سياق مخصَّص جديد لخطة إعادة الإعمار ذات النطاق غير المسبوق لبلداننا، مع إمكانية اعتماد آلية الاستقرار الأوروبية مصدرًا جيدًا للإلهام لإنشاء وسيلة عابرة الحدود تتمتع بوضع الدائن المتميّز، ثم تشكِّل شركاء التنمية.

ويمكن أن تقدم هذه الآلية عدة أنواع من البرامج التي تتكيَّف مع خصوصيات كل بلد؛ بدءًا من الخطّ التحوطي للبلدان المعرَّضة لمخاطر إعادة التمويل إلى خطوط التمويل لبرامج الاستثمار الرئيسية للبلدان ذات الأسس القوية للاقتصاد الكلي.

ويمكن أن يتمثل أحد أدوار البرنامج في تركيز جهود شركاء التنمية على استثمار ضخم يهدف إلى تقليل الفجوة في البنية التحتية الأساسية بشكل كبير. وبالنسبة للبلدان ذات الديون الكبيرة دون إمكانية تحملها، يمكن لهذه الآلية شراء ديون مخفضة، والحصول على تخفيض في الدَّيْن بتكلفة منخفضة لتجنُّب إعادة هيكلة الديون المستقبلية ذات العواقب الاقتصادية الكارثية في كثير من الأحيان.

وأخيرًا؛ فإن الدعوات إلى تخفيف الديون لها جانب “مجرَّب” بنتائج مثيرة للجدل، ويبدو لي خيار دعم الديون المناسب والمسؤول خيارًا أفضل من الدعوة إلى التساهل، عطفًا على أنه من الضروري استخدامه للاستجابة للاحتياجات الملموسة بفعالية وكفاءة؛ وذلك يستدعي الشفافية في إدارتها.

* نقلا عن موقع “قراءات أفريقية”

رابط مختصر
2020-07-18
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر