إثيوبيا.. الصبي الصاعد!!

آخر تحديث : الإثنين 22 يناير 2024 - 8:48 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

استيقظت دول القرن الأفريقي والدول المتشاطئة للبحر الأحمر في الأول من يناير لهذا العام على خبر توقيع إثيوبيا وإقليم أرض الصومال مذكرة تفاهم تقضي بحصول إثيوبيا على منفذ بحري مطل على البحر الأحمر من خلال إقليم أرض الصومال بطول 20 كيلو متر لمدة 50 عاما، وكشفت تفاصيل مذكرة التفاهم أن إثيوبيا ستتمتع من خلال هذا المنفذ التمتع باستخدام ميناء بربرة الواقع على ضفاف خليج عدن في مدخل مضيق باب المندب لأغراض التبادل التجاري، كما يحق لها إقامة قاعدة عسكرية مما يجعل لها موطئ قدم ونفوذ في منطقة البحر الأحمر في إنتهاك واضح لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية، وبما يهدد الأمن القومي المصري والعربي.

وتأتي مذكرة التفاهم مقابل اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال، ومنح الإقليم الانفصالي عن جمهورية الصومال الفيدرالية حصة من الخطوط الجوية الإثيوبية تقدر بـ(20%). وتمثلت مفاجأة الخبر في عنصر التوقيت واستراتيجية الصفقة المرتقب إتمامها بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال!

فقد ذهب المراقبون أن إثيوبيا استغلت انشغال العالم والمنطقة بالحرب الدائرة في غزة، والتوترات الناجمة في منطقة البحر الأحمر بسبب اعتداءات جماعة الحوثي اليمنية على السفن التجارية (التي تدعي أنها داعمة للكيان الإسرائيلي) المارة في البحر الأحمر، وتستهدفها الجماعة اليمنية، دعما للمقاومة الفلسطينية، في حربها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي فإن الأحداث ستغطي على توقيع مثل هذا الاتفاق.

وأغلب الظن أن إثيوبيا لجأت إلى صيغة توقيع مذكرة تفاهم قبل تحويلها إلى اتفاقية رسمية في محاولة منها لجس نبض الدول المعنية التي يضيرها مثل هذا الاتفاق، وبالأخص مصر والصومال، حتى تعيد تقييم الأمر مرة أخرى واتخاذ القرار النهائي بالمضي قدما في الاتفاقية (الصفقة)، أو التمهل، أو إلغاء الأمر برمته.

وبمجرد الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم بين الجانبين الإثيوبي وإقليم أرض الصومال في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” تسارعت معظم الهيئات الدولية والإقليمية لتعلن رفضها المطلق لهذا الاتفاق، فقد هبت منظمات “الأمم المتحدة”، و”الاتحاد الأوروبي”، و”التعاون الإسلامي”، و”جامعة الدول العربية”.. وكان بيان “الاتحاد الأفريقي” ناعما إلى حد ما طالبا الطرفين بضبط النفس.

وقد كان رد الفعل الصومالي بجميع مكوناته الرسمية والمعارضة ردا قاطعا برفض إتمام هذه الاتفاقية التي تخترق سيادة الصومال وتمثل اعتداء صريحا على أرضه وسيادته، حتى أن الرئيس الصومالي الأسبق محمد عبد الله فرماجو والمعروف بعلاقاته الوطيدة مع إثيوبيا رفض هذا الاتفاق كلية.

وفي رد فعل سريع كانت مصر أول دولة في المنطقة أعلنت رفضها التام لمثل هذا الاتفاق، وقد كان بيان وزارة الخارجية المصرية صريحا ولا لبس في أي عبارة من عباراته من أن مصر لن تسمح بالاعتداء على التدخل في شؤون دولة ذات سيادة مثل الصومال تتمتع بعضوية “جامعة الدول العربية” و”الاتحاد الأفريقي”، ولها الحق في التمتع بكل ما ينص عليه ميثاق المنظمتين العربية والأفريقية في حمايتها والدفاع عنها إذا ما تطلب الأمر.

وأكد موقف مصر الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الصومال حسن شيخ محمود إلى مصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ حيث أكد “السيسي” أن إثيوبيا لها كامل الحق في تحقيق مصالحها وما يزيد من تنميتها، ولكن دون القفز على حقوق وسيادة الآخرين.

وفي تعبير صريح أثناء المؤتمر الصحفي المشترك بين “السيسي” و”شيخ محمود” أكد “السيسي” أن مصر لن تسمح بالاعتداء على الصومال ولن تتركها وحدها إزاء هذه الاتفاقية والآثار الناجمة عنها، خاصة إذا ما طلبت المساعدة المصرية، كما شدد “السيسي” على أن مصر لا يقوى عليها أحد.

وإذا ما وقفنا أمام تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة بشأن هذا الأمر.. نجد أنها رسالة واضحة لإثيوبيا أن مصر حاضرة بقوة منذ الآن، وما حدث من صبر واحتمال في ملف سد النهضة لن يحدث “مجددا” في ملفات أخرى، خاصة وأن مصر هي الدولة صاحبة المصالح الأكبر لامتلاكها الممر البحري الأكثر حيوية واستراتيجية في العالم وهو قناة السويس في منطقة البحر الأحمر، ولا يمكن أن تقبل وجود ما يمس مصالحها وأمنها القومي في تلك المنطقة، كما أنه يهدد المصالح الدولية في ذات الوقت.

وحين نتبع العلاقات بين إثيوبيا وأرض الصومال لن نجد صفحات من الماضي تدل على العلاقات الدافئة بين البلدين بما يسمح إبرام تلك الصفقة في الوقت الحالي، وهنا يتضح أن إثيوبيا التي مضت منفردة في إتمام بناء وتشغيل سد النهضة دون الاتفاق والرجوع إلى مصر والسودان (دولتا المصب المتأثرين بأضرار السد).. وجدت في نفسها الصبي الذي بدأ دوره يتصاعد وآن الآوان أن يتجاوز دور المُعَلِمْ، خاصة وأن مصر انتهجت انتهاجا حليما معها في قضية سد النهضة، وتصورت أنها من الممكن أن تكمل صعودها وتزيد من نفوذها بهذا المنفذ البحري والذي سيتوج بإنشاء قاعدة عسكرية، وهو ما لا تقبله مصر ودول القرن الأفريقي تحديدا في منطقة البحر الأحمر، الأمر الذي ينذر بوقوع مواجهات عسكرية في المنطقة حال الإصرار على استكمال الاتفاق. وهنا تعالت أصوات الشعب الصومالي وطالبوا في مظاهرات عارمة، شهدتها العاصمة مقديشو، إلغاء هذه الاتفاقية وإن وصل الأمر للمواجهة العسكرية.

وفي حال وقوع مواجهات عسكرية ستتعدد أطراف النزاع ومن يغذيها من أطراف إقليمية، كما ستتأثر حركة التجارة العالمية وستتشابك الأبعاد الاقتصادية والسياسية في تلك الأزمة المرتقبة.

الأمر الأخطر في القضية أن بعدا آخر لم يلتفت إليه أحد، وهو عودة نشاط التنظيمات الإرهابية والمرتبطة بتنظيمات مركزية مثل “القاعدة” و”داعش”، وهنا نقصد استعادة “حركة الشباب الإسلامية” نشاطها مرة أخرى بعد أن نجحت حكومة الرئيس حسن شيخ محمود في تقويض أنشطتها في الفترة الأخيرة.

ومعروف مدى العداء الذي تكنه “حركة الشباب” للدولة الإثيوبية؛ حيث الناحية العقدية باعتبار إثيوبيا دولة مسيحية ولها علاقات حميمة مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، ما يسمح للحركة الإرهابية بتجديد نشاطها وتنفيذ عملياتها في دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وجيبوتي وأوغندا وكينيا) وفي الصومال ذاتها مقر الحركة.

الأيام القادمة ستحمل واحدا من عدة سيناريوهات، نأمل أن يكون صوت العقل هو صاحب هذا السيناريو، كما نأمل أن تعيد إثيوبيا حساباتها، وأن للصبر حدود، وما حدث من قبل وتوهمت أنها الفائزة والقادرة فلا يمكن أن يتكرر مرة أخرى.

رابط مختصر
2024-01-22
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر