حرب السكر!!

آخر تحديث : الأحد 25 فبراير 2024 - 12:41 صباحًا
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

يعيش المصريون على وقع الأزمة الاقتصادية المتسببة في ارتفاع الأسعار والغلاء المتوحش الذي يتزايد على مدار الساعة لأسباب عديدة، منها ما هو طبيعي بسبب عوامل اقتصادية حقيقية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومنها ما هو غير طبيعي بسبب جشع عدد كبير من التجار والمحتكرين لأهم السلع الأساسية التي يحتاجها كل بيت مصري.

ولعل الأزمة الأبرز في مشهد السوق المصري، حاليا، هو عدم توفر سلعة السكر بالسعر المقرر من قبل الحكومة، والسكر سلعة لا يستطيع أي مواطن الاستغناء عنها، حيث استخدامها المتعدد وأبسطها تحلية كوب شاي أو كوب لبن للأطفال الصغار.

فمشاهد الزحام والطوابير على المنافذ المخصصة لبيع السكر المدعم من قبل الحكومة والمقرر بيعه بمبلغ 27 جنيه تثير الأسى والشفقة على كل من هانت عليه نفسه ليقف في طابور لمدة ساعتين ليحصل على 2 كيلو جرام فقط من السكر، وربما تصل الأمور للتدافع أو التشابك في مشهد سينمائي أو روائي يمكن تسميته بـ”حرب السكر”؛ إذ أن الحصول على كيلو سكر، هذه الأيام، يعد نصرا مبينا، فيعود المواطن إلى بيته منتصرا، مشيرا بكيلو سكر بدلا من علامة النصر. أما سعداء الحظ فهم من يحصلون على السكر من السلاسل التجارية الكبيرة بموجب 2 كيلو جراما على فاتورة مشترياتهم بكل احترام ووقار.

ولما كانت هناك عوامل اقتصادية عدة متسببة في الوضع الذي يفوق قدرات المواطن في التحمل لتدبير شؤون حياته واحتياجاته اليومية ومن يعولهم، فهناك أيضا العديد من الحلول التي من المؤكد قادرة على تجاوز تلك الأزمة الاقتصادية.

ولا شك أن الحلول بيد مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الذين تؤهلهم كفائتهم لإدارة الأزمة ووضع الحلول والمعالجات اللازمة.. ولكن أين هؤلاء وأماكن تواجدهم ومن بيده استدعائهم؟ لا شك أيضا أنهم موجودون، وأن الحكومة هي صاحبة القرار في دعوة هؤلاء والاستعانة بهم لإيجاد الحلول الممكنة؛ لإعادة ضبط السوق وعودة الأسعار إلى أوضاعها الطبيعية.

لقد نجحت الحكومة خلال الأسابيع الأخيرة في ضبط أسعار الذهب ومن بعدها الدولار الأمريكي من خلال شن حملات أمنية كبرى على تجار الذهب والدولار المضاربين في السوق مستغلين ندرة المعروض من الدولار لدى الحكومة، مما أشعل سوق العملة الأجنبية بسبب الإقبال عليه من المستوردين والصناع ومن أراد الحفاظ على قيمة أمواله من المواطنين فلجأ إلى شراء الدولار أو الذهب.

وبعد الصفقة الاستثمارية الأخيرة التي أبرمتها الحكومة مع الجانب الإماراتي والمعروفة بـ”رأس الحكمة” والتي ستدر سيولة دولارية تنعش خزانة الدولة بالحصيلة الدولارية، مما ينتظر معه انفراجة في الوضع الاقتصادي للبلاد.. ينتظر المواطنون أن ينعكس ذلك على حياتهم وأن تنخفض الأسعار ويقل معدل التضخم بما يتنفسون معه هواء بلا هموم زائدة. وفي تقديري أن الملاحقات الأمنية لن تكون العلاج الأمثل لضبط المشهد الاقتصادي، علاوة على أنه يرهق الجهاز الأمني ويأخذ نصيبا من مهامه الأساسية لحفظ الأمن العام، فالحل لن يكون إلا اقتصاديا من الحكومة وأهل الاقتصاد.

وقد أجمع غالبية خبراء الاقتصاد والرأي العام الشعبي أن صفقة رأس الحكمة هي “ضربة معلم”، وجاءت قبل المرحلة التي كان يستعد فيها المضاربون في العملة تجاوز الدولار الأمريكي لأكثر من 80 جنيها وصولا إلى 100 جنيه في آخر العام بعد ترقب تعويم البنك المركزي للجنيه طبقا لمفاوضات صندوق النقد الدولي الأخيرة، الأمر الذي من شأنه استفحال الأزمة ووضع الحكومة أمام أمر واقع تعجز معه عن الحلول السريعة؛ إلا أن صفقة رأس الحكمة أربكت سوق العملة الموازي وهبط الدولار لأكثر من 12 جنيها فور إعلان الصفقة وتوقف عمليات البيع والشراء تماما لحين الوصول إلى سعر حقيقي في هذا السوق، ومن المنتظر استمرار الهبوط.

وكما تمكنت الحكومة من ضبط سوق الذهب والدولار، فمن البديهي والأولى أن تتجه إلى ضبط سوق السلع الأساسية واحتياجات المواطنين؛ وذلك بمراقبة الأسعار وإلزام التجار والمصنعين بعدم تحريك الأسعار المستمر على مدار اليوم رابطين إياه بسعر الدولار والذهب في حجتهم أمام جمهور المستهلكين.

آن الأوان لتضطلع الحكومة بمهام عملها الرئيسة في تحسين الأوضاع المعيشية للناس، وأن تتولى المجموعة الاقتصادية للحكومة إدارة الملف الاقتصادي بأفكار جديدة ومشروعات إنتاجية تحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصري وأسعار تنافسية تخدم المواطن والحلقة الاقتصادية بكامل عناصرها.. أيضا القيام بإجراءات جادة وصارمة في وجه تغول الأسعار الذي كاد أن يقتل المواطن، ولا ترتكن الحكومة إلى تدخل الرئيس ليلهمهم الحلول، فالرئيس عليه الكثير من الأعباء التي لا تتحمل زيادتها.

وعلى الحكومة إنهاء حرب السكر وكل حروب السلع الأساسية الأخرى، والكشف بشفافية عن الأسباب الحقيقية عن نقص المعروض تحقيقا للعدالة الاقتصادية بين الجميع.

رابط مختصر
2024-02-25 2024-02-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر