مصر تتربع على عرش الثقافة العالمية باختيار خالد عناني مديرا عاما لـ”اليونسكو”

6 أكتوبر 2025آخر تحديث :
مصر تتربع على عرش الثقافة العالمية باختيار خالد عناني مديرا عاما لـ”اليونسكو”
فاطمة خليفة:

>>

في حدث وصفه الكثير بأنه تحول تاريخي في ميزان القوة الناعمة العربية، وتزامنا مع احتفالات السادس من أكتوبر 2025، احتفلت مصر اليوم بانتخاب الدكتور “خالد أحمد العناني” مديرًا عامًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بعد تصويت حاسم في المجلس التنفيذي للمنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس.

حصد “خالد العناني” عالم المصريات، 55 صوتًا من أصل 57، متفوقاً على منافسه الكونغولي “إدورد فيرمين ماتوكو”، ليصبح أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1945، وثاني إفريقي بعد السنغالي “أمادو مختار مبو” في سبعينيات القرن الماضي.

هذا الفوز لا يعد مجرد انتصارا شخصيا لوزير الآثار والسياحة السابق، بل رؤي على نطاق أوسع بوصفه انتصارًا رمزيا للعالم العربي والإفريقي في استعادة حضورهم داخل مؤسسات الأمم المتحدة، بعد عقود من التهميش في القيادة الثقافية الدولية.

من مقابر الفراعنة إلى أروقة اليونسكو، بدأت مسيرة “العناني” كعالم آثار وأستاذ مصريات في جامعة حلوان، ليصبح لاحقًا أحد أبرز وجوه الدبلوماسية الثقافية المصرية، حيث تولى وزارة السياحة والآثار من عام 2019 وحتى عام 2022، وأشرف على مشاريع كبرى مثل المتحف المصري الكبير ونقل المومياوات الملكية، قبل أن يُطلق حملته في 2023.

رحلة انتخابه استمرت عامين من التحركات الدبلوماسية المكثفة، زار خلالها أكثر من 40 دولة، حشد خلالها دعم الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وعدد من الدول الآسيوية والأوروبية، في حملة وُصفت بأنها الأذكى والأكثر توسعاً في تاريخ الترشيحات العربية داخل المنظمة.

ويرى محللون أن انتخاب العناني يحمل رسالة مزدوجة، الأولى تؤكد قدرة العالم العربي على العودة إلى مواقع القرار الثقافي الدولي عبر الكفاءة لا عبر النفوذ السياسي، والثانية تعيد الثقة بالقارة الإفريقية كمركز لصناعة القرار الإنساني، وليس مجرد إنجاز شخصي.

فوز”العناني” يأتي في لحظة حرجة تواجه فيها اليونسكو أزمة مالية حادة عقب انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة مجددًا، إلى جانب الخلافات الأوروبية الداخلية بشأن برامج تمويل التعليم الرقمي والتراث العالمي.

ينظر إلى هذا الفوز كفرصة لإعادة إحياء الدور الثقافي العربي عالميًا، فالعالم العربي رغم غناه بالتراث، إلا أنه ظل لعقود بعيدًا عن صياغة القرار الثقافي الدولي، وبالتالي تتجه الأنظار اليوم إلى ما إذا كان العناني قادرًا على تمكين المدن والمواقع العربية من استعادة مكانتها في قوائم التراث.

فيما يتطلع المثقفون العرب إلى أن يكون عهد العناني فرصة لإعادة إحياء الدور العربي في الثقافة العالمية، خصوصًا في ملفات التراث والتعليم وحماية الهوية، خاصة المواقع التي تضررت جراء النزاعات المسلحة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، إلى جانب تعزيز المبادرات الرقمية والتعليمية في الدول النامية.

الاحتفاء العربي والأفريقي بفوز عناني صاحبه ترحيبا عالميا، فهذه فرنسا الدولة المستضيفة لليونسكو ترحب بنتيجة التصويت مؤكدة ثقتها في قدرة المدير العام الجديد على توحيد المنظمة، كما وصف الاتحاد الأوروبي فوز “العناني” بالاختيار المستحق الذي يعكس توازنًا بين الخبرة والكفاءة.

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية، انسحبت من المنظمة في يوليو الماضي، مما وضع المنظمة في أزمة مالية.

ويتوقع خبراء الشأن الدولي أن مهمة العناني لن تكون سهلة، فالمنظمة تحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع الدول الأعضاء، وتحديث أدواتها لمواكبة التحولات التكنولوجية والتعليم الرقمي، إلى جانب حماية التراث المهدد في مناطق النزاع.

من جانبه يبدو العناني عازمًا على جعل اليونسكو أكثر قربًا واحتكاكا بالشعوب، عبر فتح مكاتب إقليمية جديدة، ودعم التعليم المفتوح، وتوثيق التراث المادي واللامادي في أفريقيا والعالم العربي.

وفي أول تصريح له عقب انتخابه، قال “العناني” أنه سيعمل بحيادية تامة داخل اليونسكو الذي يجب أن تكون بيتًا مفتوحًا للعلم والمعرفة والحضارة الإنسانية جمعاء. فهناك تحديات كبرى أمام المدير العام الجديد تتمثل في بعض الملفات المعقدة، والتي من أبرزها العجز المالي الناتج عن انسحاب واشنطن وتراجع الدعم الأوروبي، والانقسام السياسي داخل المنظمة بشأن قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا.

تعود مصر إلى قلب المشهد الثقافي الدولي، من خلال قيادة العناني، لا كرمز تاريخي فحسب، بل كفاعل في صياغة المستقبل الثقافي للعالم، كما أنه يمثل علامة فارقة في تاريخ الحضور العربي والأفريقي داخل الأمم المتحدة، فالعرب لطالما قدّموا للحضارة إرثًا ضخمًا، لكنهم نادرًا ما شاركوا في صياغة القرار الثقافي الدولي.

واليوم ومع قيادة عربية لليونسكو، ومع هذا الانتخاب، يبدو أن صوت القاهرة لن يكون هامسًا بعد الآن في اليونسكو، بل سيسمع صدئه العالم أجمع، ويفتح صفحة جديدة أمام الثقافة العربية والأفريقية، فهل تكون صفحة تأثيرٍ حقيقي أم مجرد عنوان رمزي؟

الاخبار العاجلة