
بقلم: جوزف الهاشم
لا … لا تتعجَّبوا ، إنْ رأيتم لبنان ، كلّما حاول النهوض من تحت دخان البارود ، تعود الأنواء والأهواء تقذفـهُ ، إلى خطوط النار .
لا تتعجَّبوا ، إنْ رأيتم الأحداث العاصفة تتراكم عليكم ، والآفات تتزاحم ولا علاج …
أنتم يا رَعاكُمُ الله ، ، مَنْ هـمْ رُعاتُكم ، حكّامكُمْ ، قادتكُمْ ، أولياء الأمر ، أصحابُ القامات والهامات والرؤوس التي لا تنحني …؟
من أيّ مدرسة وطنية تخرَّجوا ، من أي ثقافة سياسية اقتبسوا ، من أكاديمية أيّ أفلاطون …؟
هذا الجسم الثقيل الذي تخرج من ميدان حرب 1975 مقاتلاً بالخناجر طعناً في البطن والظهر ، هو الذي انتقل إلى ميدان البرلمان مشرّعاً باسم الشعب ، والى مرابع السلطة حاكماً باسم الشارع ، شارعٍ في مواجهة شارع ، واحدٍ يحمل هوّيـة المنطقةِ الشرقية ، وآخر يحمل هويـة المنطقة الغربية ، ولا تزال الشرعية عندنا شرعيةَ الشارعين.
تتعجَّبون …! أَليسَ أنّ كلَّ استحقاقٍ دستوري عندنا ، ينقسم البرلمان حوله إلى شارعين ، كل واحدٍ يتحصّن خلف أكياس من الرمل ، ولا يتحقّق استحقاق إلاّ بتهويل خارجي وتهديدٍ دولي وترويض .
أليسَ أنّ كلَّ مشكلة عندنا على بساطتها تتحوّل إلى خلاف ، وكلّ قرار يتحول إلى عراك ، وكل عراكٍ يحتاج إلى موفدين دولِـيّين لفكِّ الإشتباك ، وكلّ مشروع قانون ، أو اقتراح قانون يخضع لدستورَيْـن .؟
بعد الثورة الفرنسية وحكومة المديرين وسيطرة نابوليون على الحكم ، كان “لوسيان” شقيق نابوليون رئيساً لمجلس الخمسمئة ـ أيْ مجلس النواب ـ وحين حاول نابوليون انتهاك شرعية هذا المجلس وضع شقيقـهُ لوسيان سيفه في صدره وأقسم على قتله إن هو حاول المساس بالحرية الدستورية في فرنسا.
بعد ذلك راحت تتردّد في المحافل الفرنسية عبارة : “أن الدستور يجب أن تكون له قداسة الأناجيل …”.
الدستور عندنا يصبح مقدّساً كالأناجيل والمصاحف حسب المصالح ، ثمّ يتحوّل إلى مادة للشعوذة والتكفير بما يشبه (كتاب الأمير ـ لميكيافيلي) القائم على الخداع السياسي والوصول إلى الغاية بوسيلة شرعية أو غير شرعية.
إنقسمنا على أنفسنا حول دستور الأناجيل ودستور المصاحف ، وقسمنا بهما القوانين والمواطنين ، حتى في بلاد الإنتشار قسمنا اللبنانيين في أميركا ، بين أميركا “نيويورك ، وأميركا ميشغن” .
وماذا عن القضية الأكبر والأخطر …؟ ماذا عن السلاح وحصرية السلاح …؟
الحكم يتمسّكُ بالمقاومة الدبلوماسية ، وحزب الله يتمسك بالمقاومة العسكرية… فأي خطاب سنعتمد : خطاب قسم رئيس الجمهورية ، أو خطاب الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله .
في إطار التشاور مع بعض الزملاء الإعلاميين بلغ عندنا الظنّ أن يكون هناك تفاهمٌ ضمني بين الحكم والحزب ، وإلاّ فلا يعقل أن يكون هناك استخفاف بالمخاطر التي تداهم لبنان ، عسى أن يكون هذا الظن صادقاً.
تتعجبون …؟ تعجَّبوا ، لبنانياً : مع جبران خليل جبران … “ولكم لبنانكم” عربياً : مع الشاعر عمر أبو ريشة : في قوله :
تتعجّبون ، ومِـلْءُ ماضيكُمْ فجاءاتٌ طريفَه …
أَنسيتُمُ ما كان مِـنْ ساداتهم يـومَ السقيفَه …
تركوا النبيَّ على فراشِ الموتِ وانتخبوا الخليفَه .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.
