غياب الخطاب الانتخابي!!

منذ ساعة واحدةآخر تحديث :
حاتم عبد القادر:
حاتم عبد القادر:

بقلم: حاتم عبدالقادر

بدأت المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب والتي انتهت بما لا تشتهي السفن، وعلى غير رضا الغالبية الكاسحة من الجماهير المشاركة في العملية الانتخابية والعازفة عنها.

انتخابات تمت بعيدة عن الإشراف القضائي، واحتوت مهازل علنية، رآها الجميع، وسيطرة فجة للمال السياسي الذي تمكن من شراء أصوات الفقراء وذوي الاحتياج، علاوة على التأثير الممنهج من قبل أحزاب لم يعرفها أحد، ولم تضبط مرة واحدة متلبسة بأداء عمل سياسي واحد، أو تجهد نفسها في نشر المبادئ والأفكار التي قامت عليها، وبدلا من السعي لتوجيه الشباب والأجيال لممارسة العمل السياسي الوطني النزيه، راحت تلك الأحزاب تجهد نفسها في إرهاب المواطنين بأن من ليس معها فهو ضد الوطن ويكيد المكائد وينتمي “عضوية” أو حبا أو تأييدا لجماعات الشر المناوئة للدولة!!

لجان فارغة وصناديق فارغة إلا من ذوي الإعاقة المالية وأصحاب العوز والحاجة والمغيبين، قسرا أو طواعية، لانتخاب مرشحين لا يعرفون شخوصهم ولا أفكارهم ولا رؤيتهم، فقد تم اقتيادهم لانتخاب قوائم مغلقة على أكابر من أصحاب النفوذ والمال، يحلمون بمنصب أو مقعد في مجلس النواب لتوظيف الحصانة البرلمانية في خدمة مصالحه الخاصة وأسرته الصغيرة ودائرته الضيقة التي تدور في فلك مصالحه.

مشاهد فاقت مشاهد التزوير، مما أشعل الغضب في نفوس االوطنيين الغيورين على الوطن والمحبين له، حبا حقيقيا، فقد صرخوا صرخة مدوية وصلت لأعلى رأس في البلاد، وحين استدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي حقيقة الغضب وأنه في محله أعلن غضبه مع الجماهير، وأصدر أوامره إلى الهيئة الوطنية للانتخابات لفحص الطعون والتظلمات المقدمة من المرشحين، وبدورها، أعلنت على الفور الهيئة الوطنية للانتخابات بطلان الانتخابات في 19 دائرة من دوائر المرحلة الأولى والتي كانت اللجنة قد أعلنت نتيجتها، علاوة على إعلان نجاح القائمة الوطنية من أجل مصر وهي قائمة مطلقة ينجح كامل مرشحيها.

والسؤال هنا، ماذا لو لم يكن قد تدخل الرئيس بنفسه لتصحيح مسار تلك المهزلة المسماة “انتخابات”؟!!

هل كانت الهيئة الوطنية ستواصل استكمال الانتخابات بنفس النهج؟

من المؤكد أن تدخل الرئيس مثّل طوق النجاة لتصيح مسار فصول تلك الانتخابات، وأنه أعطى توجيهات بأن تكون الانتخابات معبرة عن رغبات الناخبين واختيار من يعبر عن طموحهم.

والأكثر غرابة في تلك الانتخابات، أننا لم نرى مرشحا واحدا قدم برنامجا واقعيا أو رؤية لطموحات وأهداف تحقق مصالح الشعب.

لم نرى نائبا مهموما ومهتما بملف أو ملفين من ملفات تمس حياة المواطنين وأبناءهم، لم نرى مرشحا يتحدث عن علاج أمراض أصابت ملفات الصحة، والتعليم، والاقتصاد، والصناعة، والاستثمار، والزراعة، وغيرها من ملفات الأمن القومي والسياسة الخارجية.

مستوى المرشحين لا ينم أبدا عن تشكيل مجلس نواب يصدر تشريعات تقيم العدل بين الناس وتحفظ حقوقهم، أيضا ممارسة دوره في مراقبة الحكومة ومسائلتها.

مختلف الحملات والمؤتمرات الانتخابية للمرشحين تحولت إلى أفراح شعبية وملاهي ليلية، تصرخ بأغاني الرحلات وليالي الحنة في الأحياء الشعبية، وأشعلتها سيدات شدوا الرحال لتحزيم خصرهن لأداء الرقص سفها ونفاقا وولوجا في مستنقعات أخلاقية لم يشهدها مجتمعنا من قبل!!!

لم نرى مرشحا واحدا يخاطب ناخبيه أو يناقشهم في قضية واحدة من قضايا الوطن، وما أكثرها، فقد اتفق الجميع من المرشحين ومناصريهم على إقامة الأفراح والليالي الملاح في موسم انتخابي غير نزيه.

آلاف الملايين من الجنيهات أنفقت على حملات انتخابية مزيفة، استغلت فقر الناس وحاجتهم، وتيقنوا أن الواعين عازفين، فخلت الساحة أمامهم لاصطياد مقعد في مجلس النواب.

كنت أتمنى أن أرى خطابا انتخابيا يليق بمصر وشعبها، ينم عن وعي المرشح قبل الناخب، ومدى ما يحمله من رؤى وأفكار يحقق بها تقدم أمته ورفاهية العيش.

إن مرشحا لا يجيد من أبجديات العمل السياسي إلا تقديم رشاوى انتخابية لناخبيه من زجاجة زيت أو عبوة سكر أو أرز، ولا يحمل من كلماته سوى أنه “إبن الدائرة” وواحد من أهلها، وأنه الأولى من منافسه من القرية المجاورة الواقعة في ذات الدائرة، وأنه لن يكون إلا بأهل دائرته، فقد سقط قبل أن يبدأ، وليس له وجود أو وجدان، وستطرده كل محافل العمل السياسي.

الأمل الوحيد معلق على رئيس الجمهورية أن يستمر في تصحيح مسار تلك العملية وإعادة تقدير الموقف، حتى لا نعود إلى أجواء مسمومة لا نتمنى العودة إليها.

الاخبار العاجلة